سينما ومسرح

يوم آخر .. مسرحية من مشهد واحد بقلم أحمد قاصد كريم 

  أحمد قاصد كريم

 

 

 

الشخصيات

عقل: في منتصف العمر، تاجر.

أمينة: في منتصف العمر، ربة منزل.

غريب: شاب، ثائر.

منسي: شاب، غير مبالي.

عاطف: شاب، منساق لأي أتجاه.

راضي: عجوز.

                   النص يصلح للعرض في أي مكان

                يسع حركة ستة أشخاص وبعض المتفرجين.

*********

                        المشهد

المنظر:

أي مكونات توحي بأننا في ساحة مدينة.

                            (الجميع في مكان العرض)

                         (حركة عشوائية وأصوات متداخلة)

عقل: هكذا لن نصل لقرار.

أمينة: يجب أن ينتهي اجتماعنا هذا بنتيجة حاسمة.

غريب: أستاذ عقل، أستاذة أمينة، لا داعي للاجتماع، القرار اتخذ

           من قبل أن نبدأ.

عقل: وما القرار يا غريب؟

غريب: قتله، لن نرضى بأقل من هذا، أليس كذلك يا عاطف؟

عاطف: نعم، لن نرضى بأقل من هذا.

راضي: لكنه سيغضب حتمًا.

منسي: يا عم راضي، لن يلحق أن يغضب، سيكون قد مات

          وانتهى أمره.

أمينة: ما هذا يا منسي؟، إننا لم نجمع كلنا على اقتراح قتله.

عقل: يجب أن يكون القرار بالأجماع.

غريب: بعد كل ما فعله فينا، لا جزاء له سوى القتل.

منسي: (بسخرية) لقد امتد ظلمه لنا من زمان عم راضي؛ مرورًا بزمنكم، حتى زمننا نحن الشباب.

عاطف: نعم، لقد استمر ظلمه لأجيال عديدة.

منسي: لقد كان يسرقنا ليل نهار.

عقل: ولم يكتف بالسرقة والفساد.

أمينة: وأكملها بالظلم والاستبداد.

غريب: و انتهى بقتل أرواحنا وأحلامنا.

منسي: حتى صارت حياتنا أشبه بغيبوبة دائمة.

عاطف: لم نعد نستطيع أن نقرر لحياتنا أمرًا.

أمينة: كل صباح؛  يبني سجنًا جديدًا.

عقل: ونحن فيه سجناء.

غريب: وفي المقابل، ينشأ كل ليلة؛ قناة تلفزيونية بشكل مختلف.

راضي: لا تنسوا أنه أنشأ مؤخراً قناة دينية.

منسي: وقنوات عديدة أخرى لتلهينا عن واقعنا.

عاطف: وقنوات رياضية؛ تأتي لنا بكل الدوريات في العالم.

أمينة: صار أعلامه يتحكم في حياتنا واختياراتنا.

عقل: واتسع تأثيرها حتى أصبح يسيطر على مقدراتنا.

غريب: يمنينا بالجوائز والحياة السعيدة.

منسي: حتى ادمناها كالمخدر.

عاطف: لم نتخذ قرارًا بإرادتنا منذ عقود.

عقل: لكن اليوم، يوم الحسم.

أمينة: لقد اجتمعت إرادتنا على المواجهة.

راضي: لكنه سيغضب.

غريب: قلت لك لن يلحقنا عقابه، لأنه سيكون قد مات.

عاطف: نعم، يجب أن يموت.

عقل: لا، لن يكون القرار هكذا.

غريب: ولما لا يكون القرار هكذا؟

منسي: يفترض أننا الشباب، نحن من يقرر للمستقبل.

عاطف: نعم نحن المستقبل، ونحن من سنقرر مصيره.

غريب: بصمتكم واستكانتكم صنعتم هذا الطاغية.

راضي: لم يكن بمثل هذا الفساد والظلم حين بدأ.

عقل: شغلتنا الحياة عن المواجهة.

غريب: وانتبهتم فقط عندما صارت الحياة مستحيلة.

أمينة: استطاع أن يجعل مجرد الحياة مبلغ همنا.

منسي: محظوظون، كانت لكم حياة لتنشغلوا بها.

عاطف: ونحن لم نجد مثل هذه الحياة.

غريب: لم يعد يشغلنا سوى متابعة ما يبثه لنا عبر قنواته.

راضي: يشغلكم الصراخ عبر واقع افتراضي رسم لكم حدوده.

عقل: وأحاديث جوفاء على المقاهي.

أمينة: أبعدنا عن جذورنا وتراثنا، وجعلنا نمجد تراث أمم أخرى.

غريب: وأين هي جذورنا، لما لم تحافظوا عليها لنجدها حين

         الحاجة.

منسي: شغلتكم الحياة عن الحفاظ على تراثنا الذي لا نعلم منه

         شيء.

عاطف: نعم، لم يعد لدينا أي شيء ننتمي إليه، حتى هذه الأرض

          التي نقف عليها.

عقل: من هنا تأتي أهمية اجتماعنا هذا.

أمينة: والذي يجب أن نخرج منه بقرار.

راضي: كان يجب أن يكون اجتماعنا هذا سريًا؛ حتى لا ترانا عيونه.

غريب: لا، لم نعد نخاف.

منسي: اجتماعنا كما هو، في ساحة المدينة.

عاطف: وفي وضح النهار.

عقل: أمام الجميع.

أمينة: وأمام عيونه التي تراقبنا ليل نهار.

الجميع: لم نعد نخاف، لم نعد نخاف.

                                     (موسيقى، فترة هدوء)

عقل: علينا تنظيم أنفسنا.

أمينة: فليجلس الجميع حتى نتدارس الأمر جيدًا.

راضي: ولا داعي لاقتراح القتل هذا.

عقل: لم نقرر شيئًا بعد.

غريب: لن يفهم سوى لغة القوة.

راضي: لكن سيكون هناك ضحايا كثر.

منسي: سنموت تعني، وما الفارق بين حياتنا الأن وبين الموت.

عاطف: نعم، نحن موتى بالفعل.

غريب: وطريق الغد مظلم تمامًا، ولا يوجد به بارقة أمل.

عقل: إذا، كما قلت لكم، يجب أن ننظم أنفسنا جيدًا.

أمينة: فلنأخذ الاقتراحات.

عقل: غريب يرى أن نقتله.

عاطف: نعم نقتله.

أمينة: انتظر حتى نعرض كل الاقتراحات.

عقل: وأنت يا عم راضي، ماذا تقترح؟

راضي: أرى أن نتركه للقدير؛ حتى ينتقم منه.

غريب: كيف هذا؟ ، هذا الضعف هو ما أدى بنا إلى هذا الحال.

منسي: انتظر يا غريب، فهناك من لم يعرض اقتراحه بعد.

عاطف: فعلاً، الأستاذ عقل والأستاذة أمينة لم يقدما اقتراحهما بعد.

غريب: أرجو ألا يكون اقتراحكم مثل اقتراح الحاج راضي.

عقل: أرى أن نذهب بجمعنا هذا لمواجهته.

راضي: لكنه سيغضب.

أمينة: لا يهمنا غضبه، حتما عندما يرانا قد تجمعنا أمامه؛

       سيستمع لنا.

عقل: وحين يرى إصرارنا سيرضخ.

عاطف: رأي جيد.

غريب: رأي ساذج، ما زلت أرى أن أنسب حل هو قتله.

عقل: القتل بداية لشلال من الدم.

أمينة: لن نضطر إلى العنف إلا إذا اغلقت كل السبل أمامنا.

عقل: دعونا نناقش حل المواجهة السلمية.

راضي: لن يستمع لكم، وسيصفكم إعلامه بأنكم خونة وخارجين

             عن القانون.

غريب: رغمًا عنه سيستمع إلينا.

منسي: ألم تكن تؤيد حل القتل يا غريب؟

غريب: وما زلت أؤيده، لكن أساير العقلاء في طرحهم.

عاطف: كل الحلول سواء.

عقل: لا ليست سواء، الدم له ثمن باهظ.

راضي: قلت لكم، دعوا القدير ليقتص لنا منه.

أمينة: القدير سيقتص منا، عندما لا ندفع الظلم عن أنفسنا.

غريب: إذن، أنت تؤيدين حل القتل؟

أمينة: بالطبع لا، ما زلت أؤيد حل المواجهة السلمية.

راضي: وهل سيسمح لكم بالاقتراب منه.

عقل: صوتنا سيصله خلف الجدران.

أمينة: أننا هكذا ندور في حلقة مفرغة.

عاطف: نعم مفرغة.

منسي: ولا طائل منها.

عقل: لا، لا، هذا يأس واستسلام.

أمينة: لابد لنا من اتخاذ قرار.

عقل: لن نجتمع سويًا بعد اليوم، كمثل اجتماعنا هذا.

راضي: لكن الوقت ليس في صالحكم.

غريب: كيف؟

راضي: لقد اقترب حلول الظلام.

عاطف: نعم لقد اقترب المساء، وستغرب الشمس بعد قليل.

غريب: وماذا في هذا؟

راضي: الليل خلق للهدوء والراحة.

عقل: لكننا لم نتخذ بعد قرارًا حاسمًا.

أمينة: ولا يهمنا إن كنا في ليل أو نهار.

راضي: وأسرتك يا أستاذة أمينة، أولادك؟

أمينة: ما أنا فيه الأن، سيؤمن لهم حياة كريمة ومستقبل أفضل.

راضي: وعملك يا أستاذ عقل؟

عقل: اجتماعنا هذا سيؤدي حتمًا لحياة اقتصادية أكثر رواجًا.

راضي: (للشباب) وأنتم، أليس لديكم ما تفعلونه.

غريب: لا شيء، لقد سرقت منا أحلامنا و……

عاطف: (مقاطعًا) نسيت المقابلة الهامة، إنها مباراة القرن.

منسي: يذيعها لنا حصريًا على قنواته مجانًا؟

غريب: متى أعلنوا أنها ستذاع مجانًا.

عقل: بالطبع عندما علم باجتماعنا هذا.

عاطف: يمكن أن أحجز مقاعد لنا تليفونيًا.

                (يجري عاطف اتصالًا تليفونيًا في حوار صامت)

أمينة: أولادي، لا أدر ماذا حدث لهم طيلة النهار.

                 (تجري أمينة اتصالًا تليفونيًا في حوار صامت)

عقل: العمل، التجارة، سأتصل لأطمئن على سير العمل.

                   (يجري عقل اتصالاً تليفونياً في حوار صامت)

راضي: وأنا سأذهب لألحق بالصلاة، سأدعو لكم بالسداد.

غريب: (صارخًا) لا، لن تكون هذه هي النهاية.

عقل: (ينهي اتصاله) نعم، ولابد من اتخاذ قرار حاسم.

أمينة: (تنهي اتصالها) نعم، والليلة.

راضي: دعوا الأمر للغد.

غريب: ما زلت عند رأيي، نقتله.

عاطف: نقتله بعد المباراة.

منسي: قبل المباراة، بعد المباراة، لا يهم، المهم أن تتفقوا على

           رأي واحد.

عاطف: نعم، لا بد أن نتفق على رأي واحد، لكن كيف؟

منسي: سواء بقتله أو بالتفاوض معه أو ترك الأمر للقدير.

عقل: ما زلت أرى أن نستثمر اجتماعنا هذا ونذهب إليه.

أمينة: فعلًا، هيا بنا.

عاطف: موافق.

غريب: موافق على ماذا؟

عاطف: على ما تتفقون عليه.

                    (تبدأ الاضاءة في الخفوت إلى

                    حد الاظلام عند أخر الحوار)

غريب: أرى أن نذهب ونقتله.

عقل: وأنا أرى أن نذهب ونواجهه بمطالبنا.

أمينة: ونضغط عليه بكل السبل.

راضي: دعوا الأمر للقدير.

عاطف: موعد المباراة قد اقترب، ولن نلحق للمقاعد مميزة بالقرب

        من الشاشة.

أمينة: وأطفالي كانوا يبكون حين اتصلت بهم.

عقل: وعمالي لم يحسنوا العمل في غيابي، أصبحت قلقًا على

          تجارتي.

راضي: حان وقت الصلاة، وبعدها يحين موعد نومي.

غريب: وعلينا أن ندبر نقودًا ثمنًا المقاعد المميزة قرب الشاشة.

منسي: ألم أقل لكم، الأمر كله سواء، لا أمل لنا في ردعه عن

         ظلمه.

عقل: لا، لابد من مواجهته.

غريب: نقتله.

أمينة: بالقتل أو بالمواجهة، لابد لنا من أتخاذ قرار حاسم.

راضي: ربما في يوم أخر.

غريب: وهل سنجتمع ثانيًا في يوم أخر؟

عقل: دائمًا هناك فرصة ثانية، ويوم أخر.

                      (صوت ضحكة قوية تستمر بعض الوقت)

 


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه:

تم كشف مانع الإعلانات

رجاء تعطيل مانع الإعلانات لكي تدعم موقعنا شكرا