التربيّة الجنسيّة ومكانتها في منظومة القيم الإسلاميّة المرصودة
في أدب الأطفال العربي
الجزء الثانى 2
معالم على درب التربيّة الجنسيّة
من مظاهر اضطرابات الأطفال المقلقة لأهلهم سلوكيّات يدركها الجميع، ويهملون التعامل معها من مواقع العلوم المعاصرة، ومنها:
العادة السريّة
التي تنتج بعد إثارة الأعضاء التناسليّة من دون ان تصاحب الأطفال أخيلة تحمل طابعًا جنسيًّا، مثلما يفعله الكبار، ولعلّ هذه المرحلة تعدّ أهمّ لحظات تطور بناء الشخصيّة النفسيّة عند الإنسان، إذ يبدأ بالمقارنة بين وجود القضيب عند الذكر وافتقاده عند الإناث، وفي هذه المرحلة تكون اللذة؛ قد انتقلت من الفموية إلى الأعضاء التناسليّة، وإذا كانت اللذة سهلة المنال عند الذكور، فهي صعبة لدى الإناث؛ إذ ليس بإمكانها مشاهدة أعضائها، فلابدّ من تعليمها أنّها تملك ما يملكه الذكر ولكنّه داخليٌّ، ومن الممكن أن يتمّ تدريبها على ملامسة بظرها، حتّى لا تشعر بدونيّة تجاه قضيبيّة فوقيّة، لأنّ الذكور يبدأون بالفخر بحجوم أعضائهم وقدرتهم على التبوّل بحريّة أكبر مما لدى الإناث.
الاستجلاء
حينما يختبئ الكبار؛ ويمارسون فعل الجنس بالقبل أو العناق أو المضاجعة الكاملة، يندفع الأطفال إلى التلصص عليهم بدافع الفضول بداية، وهذا أمر طبيعيّ، يسترقون النظر على الوالدين، ويندهشون من أفعالهم، لا سيّما حينما يصل الفعل الجنسيّ إلى قمته، فيرونه سلوكًا عدوانيًّا نتيجة الحركات والأصوات وحميمية تلاصقهما، ثمّ يشرع بتخيّل عملية الجنس بين والديه، ولعلّ ذلك يوقع الطفل باضطرابات جنسيّة نفسيّة لا يستحبّها الوالدان ضمن إطار القيم السائدة في منظومة المجتمع القيميّة والثقافيّة والسلوكيّة.
الألعاب الجنسيّة
من أخطر السلوكات الجنسيّة الطفليّة التي تحدث قبل البلوغ، وقد يحدث ممارسات جنسيّة نتيجة الفضول أو بضغط الأصدقاء أو تكرار مشاهدة مضاجعة الأبوين لبعضهما بعضًا أو مشاهدة أفلام الجنس وغير ذلك، مما يؤدّي إلى تنشيط الأفعال الجنسيّة المثليّة، ولعلّ هذه الأنشطة تبدأ بخلع الملابس أو بالكشف عن أجساد بعضهم بعضًا، أو الألعاب التي تمثّل الوالدين، وتنتشر هذه السلوكات بين الأطفال بين سن الرابعة والسادسة، وترتفع الميول الجنسيّة المثليّة لتصل إلى 33% في سنّ الثامنة، وينغمس الأطفال في الجنس المثليّ في سنّ الثالثة عشر، ولعلّ الكبت الجنسيّ في مرحلة الطفولة، الناتجة عن ضعف عواطف الأمّ تجاه الأب ومن ثمّ أسرتها أو العكس، من أهمّ الأسباب البيئيّة والتربويّة؛ التي توقع الأطفال بسلوك الجنسيّة المثليّة، إضافة إلى الاستعداد الجينيّ؛ إذ اكتشف أنّ لدى المثليين مغايرة في جيناتهم تجعلهم يميلون لنفس الجنس.
من النصائح التقليديّة التي توجّه إلى الكبار من أجل تعاملهم الحسن مع أطفالهم، إطلاعهم على اعضائهم التناسلية بصفتها جزءًا فاعلاً لنشاطاتهم الإنسانيّة، وعدم تعنيفهم إذا لاحظوا على سلوكهم خروجهم عن مألوف العادات والتقاليد العتيقة، بل لابدّ من تشجيعهم على تخطّي العيوب النسقيّة التي تقلل من فعالية الطفل الإنسانية، ولا يعني ذلك اتباع مبدأ الإباحيّة الجنسيّة التي لا معنى لها إلّا مع الكبار؛ الذين اتبعوا طريق الشذوذ؛ عما هو سائد من قيم، إن كان نتيجة عوامل جينيّة أو تربويّة، فالأطفال يتعاملون مع أقرانهم ومع أجسادهم بتلقائيّة وحياديّة، والكبار هم الذين يدفعونهم إلى سلوك مختلف عن القيم السائدة، ولعلّ الإفراط بمحبة الأطفال، وإهمال مظاهر اختلاف سلوكه وعدم عرضه على مختصين يفاقم من مظاهر اضطرابات الاطفال النفسية، كما ينصح الأهل بدفع أطفالهم إلى أنشطة تشغلهه عن التأمّل بأعضائهم الجنسيّة.
إنّ اضطهاد الطفل ومعاقبته على سلوكه الجنسيّ الطبيعيّ، يولّد كثيرًا من الاضطرابات النفسيّة والأمراض العصبيّة، ولعلّ دفع الطفل إلى اللعب والفنون والموسيقا يخفف من غلواء الشهوة التي تبدأ مع الطفل مبكرًا، كما أنّ مواكبة نتائج الثورات العلميّة المعاصرة، وملاحقة الوسائل التثقيفية المنتشرة في قضايا الجنس والتربية الجنسيّة من المهام؛ التي تساعد على تخطّي الطفل لاضطرابات طفولته على نحو سليم، ومن الجدير بالذكر، وجود مادة علميّة تُعطى لأطفال المدارس منذ مراحلها المتدنيّة في الدول المتحضّرة، أمّا الدول المتخلّفة فلا تزال قيم المنظومة القروسطية ومفاهيمها وأخلاقها ومعارفها هي السائدة، فجهل الكبار بشؤون أجسادهم وخوفهم من عارٍ متوهّم في رؤوسهم فقط، وتخويف أطفالهم من مفاهيم العيب والحرام والممنوعات، هو ما يدفع الأطفال نحو التطرف والشذوذ عن مألوف فطرية الإنسان وطبيعته التي خلقه الله بها.
لابدّ للمجتمعات أن تخرج من قبور القيم العتيقة، وأن تلج عالم التحضّر الإنسانيّ، وأن ترسّخ الدول سياسات دعم الثقافة الجنسيّة وطرح موضوعات ترتكز على إغناء التربيّة الجنسيّة علميًّا موظّفة وسائل الاتصال الحديثة والتواصل الاجتماعي والفضائيات للوقاية من سلوكات، عمادها الشرور، التي تلغي إنسانيّة الإنسان.
وبناء على ما تقدّم فمن الممكن أن يعاد النظر بالتربية التقليدية، وأن تقوّم الثقافة الجنسيّة وفق المراحل العمريّة، ابتداء من الجنين الذي لا بدّ ان يأخذ حصّة من تلك الثقافة؛ المتعلّقة بكيفية التعامل مع الأمّ، وانعكاس وجودها الماديّ والاجتماعيّ والنفسيّ على الجنين، ثم في الشهور الأولى من عمره وانعكاس حنان الأمّ على صحة الطفل الجنسيّة، ثمّ تعريف الأطفال بالأسماء الحقيقية لأعضائهم التناسلية، وعدم إطلاق أسماء مستعارة لها، من دون أن يشعر الطفل بالخوف من أعضائه، بل لابدّ من تشجيعه على احترامها والتعرف على وظائفها، فمثلًا ليس من الصحيح أن يظهر الكبار القرف من التبول أو التبرّز، لأنهما عمليتان تخلّصان الجسم من فضلاته، وهذا ما يجب أن يعرفه الطفل، إضافة إلى ضرورة توجيه الطفل ليكتشف ذاته، وهذا يقتضي من الكبار أن يعوا ضرورة أن تكون عملية التثقيف الجنسيّ متكاملة، وليست انتقائيّة.
يتميّز أطفال 2 – 3 سنوات بأسئلتهم الكثيرة، محاولين معرفة أجسادهم، لاسيّما عن الفروق بين الذكر والأنثى، وإن كان لا يعرف التعيبر المناسب، فإن الكبار يجب ان يدركوا مبتغى الأطفال من أسئلتهم الغامضة، ثم يتوجب على الكبار؛ أن يعلموا أطفالهم، أنّ النّاس كلهم يمتلكون أعضاء تناسليّة مماثلة لما يمتلكونه، ولابدّ من تشجيعهم على رفض ما لا يرضيهم حتّى لو كان ذلك باللمسات، وحينما يبلغ الطفل 8 سنوات تتغير طبيعة أسئلة الأطفال، فيبادرون بالأسئلة عن المضاجعات الجنسيّة وولادة المرأة، وما إلى ذلك من موضوعات، على ما تمّ ذكره آنفًا، فعلى الكبار الإجابة بهدوء ومن غير تأفف أو اعتبار أسئلتهم قلة أدب او عيب أو حرام، وتستمر هذه المرحلة حتى 10سنوات، ومن الأجوبة الممكنة: جاء الطفل من رحم المرأة الواقع داخل بطنها، نتيجة تزاوج رجل أحب امرأته، فمنحها حيوانه المنويّ فاتحد مع بيضتها، وتحولت إلى بويضة، ثم جنينًا ثم طفلاً، ويصنّع الحيوان المنوي بالخصيتين، وينتقل عن طريق قضيب الرجل إلى رحم المرأة بل إلى مبيضها؛ إذ يحدث الإخصاب، ليبدأ الطفل بالتكوّن، وفي المرحلة العمريّة اللاحقة 11 – 12 سنة من الممكن استخدام رسوم ووسائل إيضاح وأفلام على اليوتيوب أو التلفاز، ويتم التوسّع عن الإباضة وعن السائل المنويّ والفوط الصحيّة والاستمناء والعادة السريّة، ثم تعريف الطفل بعلائم النضوج الجنسيّ (الثديين والقضيب ونمو الأشعار وتغير الصوت ووفرة التخيلات الجنسيّة، ومع تقدّم عمر الطفل لابدّ أن يعرف ماهية البلوغ والزواج والنشوة الجنسيّة والحمل ووسائل منعه، وعن كيفية الوصول إلى قمة اللذة الجنسيّة والقذف عند الرجل، والتحذير من أمراض الزهري والإيدز…إلخ.
يجب عدم استهانة الكبار؛ بما يسأل عنه الأطفال في أيّ مرحلة عمرية، وألّا تكون الإجابات خاطئة أو مواربة، حتّى لا تظهر آثار الاضطراب ابتداء من سن 12 – 13 عامًا؛ إذ يدخل الطفل بالبحث عن هويّة، مما يستلزم صراعًا مع أقرانه، وهنا لا بدّ للكبار أن يكونوا إلى جانب أطفالهم، ليشكّلوا عوامل استقرار نفسيّ لهم، ويلجأ الكبار عادة إلى تكرار المفاهيم والمبادئ، التي ذكروها أمام الأطفال، ولا بدّ أن يتمّ الانتباه إلى التغيرات المتسارعة التي تطرأ على سلوك الأطفال وشخصياتهم، وقد يصل الأمر مع الكبار أن يعنون محادثته مع المراهق بالثقافة الجنسيّة بشكل واضح، ولعلّ أجوبة على أسئلة الأطفال المضمرة في رؤوسهم، عن الزواج والإنجاب أو التأخّر به، وتعريف الطفل بنعمة الجنس ومتعه وروعته، بدلًا أن يشعروا بالحسرات والمرارات والآلام، وليس من مشكلة إذا نوقش الطفل بحوادث وقعت فعلًا في المحيط الاجتماعيّ، حتّى تقلّل من أهميّة الجنس بصفته الحيوانية الداعرة، وتعزّز لديه مفهومًا عن الجنس بصفته تجسيدًا لحالة حبّ بين امرأة ورجل.
ما بين 15 – 18 من عمر الطفولة، على الكبار أن يعزّزوا لدى أطفالهم المفاهيم التي وصلتهم سابقًا، وأن تستقبل أسئلتهم الجديدة برحابة صدر، وأن يطلعوا مع الطفل على مواقع جنسيّة علمية، وليست المواقع الجنسيّة التجاريّة، أو أفلام يكتنف مشاهدها الجنس السويّ، كما لابد من مبادرة الكبار بالأسئلة عن مواضيع متنوعة متعلقة بالجنس ومواضيعه كافّة ومشاركة الأطفال القيم والسلوك والفكر؛ حتّى يكتسبوا ثقة الصغار واحترامهم.
لا يزال العلم يثبت أن تحديد الهويّة الجنسية واحترام مكوناتها وتعضيد بنائها وتفعيل وظائفها الطبيعيّة منذ الطفولة المبكّرة، بل في أثناء حمل الأمهات للأجنّة، هو الأساس الذي تبنى عليه شخصية الإنسان، التي تحتاج أيضًا إلى التثقيف بالعلم والأدب والفنون وتذوقها علميًّا وجماليًّا؛ مما يدفع الشخص نحو الإبداع بتحرير الخيال وتحريضه؛ ليبني عالمًا جديدًا متجاوزًا واقع البؤس المرافق لحياة البشر، ولعلّ الخلل الذي يصيب النظام القيميّ للأطفال يؤدّي إلى اضطرابات نفسيّة وأمراض عصابيّة، وإذا ألقيت نظرة لمنظومات القيم العربیة الإسلامیة سيجد المتابع أنّها تركز على قضايا بهدف ترسيخ القيم السائدة، وهذا إيجابيّ، ولكنّ لابدّ أن تتضمن قيمًا جديدة مستمدة من روح العصر المفعم بالثورات العلمية التي تنقل البشرية خطوات على دروب التحضّر بتسارع ملفت للأنظار.
ينبغي على أدب الطفولة العربيّ أن يعالج الكثير من القضايا التي تعدّ من المحرمات، وأن يثير أسئلة تتعلق بالطفولة تغيّر من جوهر القيم المتعارف عليها في المؤسسات الاجتمتعية والثقافية، ولدى الأهل وبين أوساط الأطفال، إذ لم يعد التاريخ يرحم من يتخلف عن فاعلياته حاضرًا، قد ينسانا التاريخ، ويرمينا خارجه، لنبقى هامشيين، لابدّ لأدب الأطفال أن يسهم في إعداد الأطفال للمستقبل، ومن الضروري ألاّ يختلف النظام القيمي للطفل، في مراحل تطور شخصيته، وفي الانتقالات التي أضحت معروفة للعلم المعاصر، منذ طفولته المبكرة إلى مرحلة المراهقة فالشباب والرجولة فالكهولة؛ إذ لابدّ أن يكون انتقالًا سلسًا، إذا أردنا بناء شخصية إنسانيّة متماسكة، ولعلّ المتابع سيجد خلو منظومات القيم العربية من أهم القضايا المكوّنة للشخصية الإنسانيّة، وهي الاهتمام بالتربيّة الجنسيّة التي تقوم على أسس علمية، ومعالجة مشكلات الأطفال الجانحين أو المختلفين مع النظام العام ومخاطبتهم مباشرة أو من خلال ذويهم والقائمين على تربيتهم .