نوال السباعي تنعي بسمة القضماني
حلت الدكتورة #بسمة_القضماني إلى بارئها، ليس بعد صراع مع المرض -كما اعتاد الناس أن يقولوا دون مراجعة ولا تعديل، في هذه المناسبات- ، وإنما بعد طريق محفوفة بالمُنجزات العلمية، ثم بالكفاح في سياق الثورة، خدمة للشعب السوري ولسوريا حُرة..بما استطاعت، وأوتيت من معرفة وخبرة.
رحلت بسمة القضماني.. بعد صبر مرير على الأذى الشديد من مواطنيها الثائرين، وكثير منه، كان أذى مجانياً على غير علم ولا هدى ولا تحقق ولابصيرة ولا وعي ولا إلمام بوعورة خوض معارك السياسة والديبلوماسية في قلب بركان ثورة كثورتنا.
بسمة قضماني، ككل الشخصيات السورية، التي ساقتها أقدارها لتسنم العمل السياسي في هذه الثورة، أصبحت منذ اليوم الأول الذي ذاع فيه اِسمها، هدفاً لأقبح ما يمكن أن يناله إنسان يعمل في سبيل خلاص شعبه من المستبدين.
هذه الطبقة من الشخصيات السورية الاِستثنائية من المُخلصين -كما نحسبهم ونحتسبهم-، بكل ما لهم وما عليهم، بكل ما أخطؤوا فيه وما أصابوا، بكل الحجم الفظيع من الاِتهامات الفظيعة التي لحقت بهم.. لم يعرف السوريون حقهم ولم يُنزلوهم مكانتهم ولم يعترفوا بجهودهم التي بذلوها في الثورة، فشملتهم حملات التخوين والتشكيك والإهانات والشتائم، اِنتصاراً لهذا الفريق أو ذاك، واِتباعاً لهذا المدّعي أو ذاك.. بينما كانت السفينة تغرق بما فيها ومن فيها.
لقد خرقنا السفينة بأيدينا، وطعنّا الشخصيات السورية الثورية -التي لاتعجبنا اِنتماءاتها ولا درجة اِلتزامها يميناً أو يساراً- بخناجر الجهل والكراهية المتبادلين وقصر النظر واِنعدام البصيرة وسوء النية والتقدير.
عزاؤنا .. أن الله لا يضيع أجر عامل قد أخلص في عمله، أعجبنا أم لم يعجبنا، وسمحنا له بالمرور من ثقب إبرة نظرتنا المتشككة ، أم منعناه رحمتنا ورضانا وصكوكنا بالغفران ودخول جنتنا.
الدكتورة بسمة القضماني، كانت من أوائل العاملين في هذه الثورة، ومن خدمها المجتهدين، وكانت من الصابرين المحتسبين.
لم نعرف كيف نحتوي بعضنا البعض، ولا كيف نستوعب الآخرين الذين هم منا.
لم نعرف تقبل رفاق درب الثورة، بل أنكرنا عليهم أنهم رفاق درب الثورة.
لم نُحسن ردم الهُوّة فيما بيننا، ولم نفهم أدب الخلاف، لم نتمكن من بناء هوية ثورية شاملة جامعة..
لم نستطع فهم ملابسات تنوع المهمات والأعمال في الساحة الثورية، لم نغفر الأخطاء والزلات ضمن مضمار العمل الثوري.. -وحديثي هنا لا يشمل الجرائم الواضحة المبينة ببرهان ووثائق، بحق السوريين وسوريا من خلال العمل الثوري، كالسرقات، والتسلط على السوريين الثائرين بقوة السلاح، وغيرها…-.
لم نتحلى -الكلّ يمينهم ويسارهم- بأخلاق الفرسان فيما بيننا ، كما هو دأب الفرسان الحقيقيين في طريقة إدارتهم للمعارك الضارية مع الأعداء.
لم نرد أن نستمع إلى الرأي الآخر، وإلى وجهة النظر الأخرى، ممن هم منا وفينا.
أغلقنا كوى النور، والنوافذ التي يمكنها تهوية هذا النفق الطويل الذي نسير فيه معاً رغم أنوفنا..
ماقتل المرض أحداً من الثائرين الذين رحلوا عن عالمنا ، وإنما هي آجالهم، وافتهم فيها المنية قهراً وألماً وشعوراص عميقاً بالخذلان، وتنكر شعبهم لهم وطعنهم في ظهورهم بينما كانوا يحاولون، أو يظنون، أو يعملون على تقدم الصفوف في هذه الرحلة المهولة.
وكثير من هؤلاء قد طعنهم رفاق دربهم أنفسهم..دون رحمة، ولا تبصر، ولا اِلتماس ولا حتى ربع عذر من أصل سبعين عذرا!!
إنا لله وإنا إليه لراجعون.