منوعات

نظرة على أفلام شادي عبد السلام

عبد الرحمن الطويل

حين تشاهد فيلم (المومياء) وفيلم (الفلاح الفصيح) اللذين أخرجهما العظيم شادي عبد السلام عن (مصر القديمة) وهما تقريبًا كل إنتاجنا السينمائي عن مصر القديمة، ستجد أنه جعل الحوار في الفيلمين بالفصحى، رغم أنه يعرض فيهما مرحلتين زمنيتين لم تكن الفصحى لغة الحديث فيهما بالمرة.
ففيلم (الفلاح الفصيح) يدور في عهد الأسرة التاسعة الفرعونية، ولغة عصره المصرية القديمة بالتأكيد، وفيلم (المومياء) يعرض قبيلة صعيدية في نهاية القرن التاسع عشر كانت تحترف استخراج الآثار وبيعها، وكانت بالتأكيد تتحدث اللهجة الصعيدية أو صعيدية بدوية بشكل ما.
لكن شادي عبد السلام، ومع شغفه الشديد بحضارة مصر القديمة التي جعل عرضها سينمائيًا مشروع حياته، وجد أن العربية الفصحى هي أفضل وسيط حواري يمكن أن يقدم من خلاله ما يريد للمشاهد.
لأنه يقدم عملًا تاريخيًّا، فلا بد أن يُكسبه العمق التاريخي في كل شيء، وخاصة اللغة التي هي وسيلة التعبير والتأثير، فكان ينبغي الابتعاد بها عن اليومي المستهلك، وإكسابها العمق التاريخي في الأداء، ولم يكن يليق بهذا المقام إلا العربية الفصحى، لأنها مستوى لغوي ذو تاريخ عريق يمنح ما يقدم به العمق التاريخي، ومستوى لغوي ثقافي لا يصلح غيره للأعمال ذات الطبيعة الثقافية، ولأنها مغايرة لمستوى الكلام العامي اليومي الذي ينزع عن العمل صبغته التاريخية ويوقعه في الاستهلاك.
ولو قدم شادي العملين بالعامية ربما كان احتفظ لنفسه بمساحة للتبرير المنطقي لأنه في النهاية يقدم حقبتين لم تكن العربية الفصحى لغة الحديث فيهما عند أي شريحة من شرائح المجتمع، لكنه فعل الصواب الذي تمليه عليه ثقافته ووعيه بالتاريخ وعمق إحساسه به.
لذلك، أن تقدم حوارًا بالعامية في عمل تاريخي يمثل حقبة العروبة الباكرة في بلد عربي مهم كمصر، وفي مدينة عربية النشأة والسكان واللسان والثقافة كالفسطاط، ومجتمع عربي قبلي كمجتمع قبائل الحوف، أن تقدم حوارًا بالعامية هو المهزلة بعينها، والمبررات التي تٌساق لها مهازل أعمق وأجهل، وتكشف جهلًا فادحًا بالتاريخ اللغوي للفسطاط ومصر بعموم.
وهذا رأي متعلق بهذه النقطة تحديدًا دون سواها مما عرضه المسلسل.

 


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه:

تم كشف مانع الإعلانات

رجاء تعطيل مانع الإعلانات لكي تدعم موقعنا شكرا