معنى كلمة (شُرفة)، في الإيطالية، (السقالة) أو (المنصة)؛ وفي الألمانية (دعامة أفقية)؛ وتُنطقُ بالفارسية (بلكانة)؛ وتوصف – معمارياً – بأنها منصة تبرزُ من جدار مبنى، تدعمها أعمدةٌ وأقواسٌ يسميها المعماريون (كابولي)، ويحيط بها سياج.
والمُرجَّحُ، تاريخياً، أن أول من عرف الشرفة من الشعوب اليونانيون، وكان ذلك منذ نحو ألفي سنة، متوخين من ورائها ضرورات وظيفية بحتة، مثل تنشيط عملية دوران الهواء في الأجواء الحارة، أو من أجل مزيد من الضوء الطبيعي، يفترشُ داخلَ المبنى.
والشرفة جزء لا يتجزأ من واجهة المبنى. من هنا، كانت ضرورة أن يتسق تصميمُها والتكوين المعماري له. وقد تطورت أنماط الشرفات على مرِّ السنين، عاكسةً ما يطرأُ على تصميمات المباني، وأعمال التشييد، ومواد البناء، من تغيرات، ومُستجيبةً لاحتياجات المجتمعات وتقاليدها؛ فالشرفة المالطية التقليدية، على سبيل المثال، خشبية مغلقة، تبرز من جدار المبنى، على العكس من شرفة تقليدية أخرى، هي تلك المعروفة باسم (شرفة جولييت)، التي كان العاشقان الشكسبيريان (روميو وجولييت) يتبادلان الوداد عبرها، وهي مصممة لتكون باستواء جدار واجهة المبنى، لا تبرز منه، ولها عرض محدود، ويطوقها سورٌ لحماية الواقفين بها من السقوط، فقد جرت العادة أن تكون الشرفات للطوابق العليا. وقد خضعتْ هذه الشرفة التاريخية، التي بُنيت في القرن الثالث عشر، لبعض التعديلات المعمارية والزخرفية، فأصبحت بارزة عن استواء جدار المبنى، إستجابة لضرورات النشاط السياحي، حيث أصبح بيت جولييت في مدينة فيرونا الإيطالية مزارا سياحياً من طراز فريد (مليون سائح في السنة).
ويكثرُ ظهورُ الشرفات في الشرائط السينمائية، وبخاصة في مشاهد العشق، وأشهرها شرفة جولييت، التي سبقت الإشارة إليها، وإن كانت السينما لا تراعي الدقة في تصميمها، فبالإضافة إلى عدم بروزها عن مستوى واجهة المبنى، فإن لها باباً مزدوجاً، يفتحُ للداخل، ليسمح بمزيد من الإضاءة والتهوية. وهي – في حقيقة أمرها – لا تُعدُّ شرفةً بالمعنى المتعارف عليه، إذ لا منصة لها، ويمكن القول بأن مواضعات المجتمع التقليدي عملت على كبت تصميم الشرفة، فأخفتها للداخل، والأصلُ فيها أن تبرزَ خارجةً بسكان حجرات المبنى إلى حيث ضوء النهار والهواء الطلق. ومع ذلك، فلا تزال شرفة جولييت محتفة بشهرتها على مدى قرون مضتْ، وينتصرُ لها نفرٌ من المعماريين فيرى أنها كانت وسيلة للتحايل على التزمت الاجتماعي، بمحاولة نقل الإحساس بالتواجد في شرفة، بالرغم من أنها (مدفونة) في المبنى.
وعرفت العصور الوسطى، وعصر النهضة، الشرفات الخارجة من جسم المباني، تحملها دعامات حجرية مكونة من دورات متعاقبة من الأحجار المنحوتة والمنقوشة، أو من أقواس خشبية. ومع مقدم القرن 19، تحولت الدعامات فأصبحت من الحديد الزهر، أو من الخرسانة. وكانت أعمالُ الحديد لا تزيد في الغالب عن أسهمٍ ذات رؤوسٍ حادة.
وعرف البريطانيون في الحقبة الجورجية شرفة جولييت، وكان المهندسون المعماريون يضيفونها في تصميماتهم للمنازل الكبيرة لتعطيها مظهراً مرموقاً، وأدخلوا عليها تشكيلات زخرفية من الحديد المطاوع، تراجعت فيها الأشكال المدببة الحادة لتحل محلها زخارف كلاسيكية. وعند مفتتح القرن 19، إبتعدت الشرفات البريطانية عن الشكل البسيط، فتعقَّدَ تصميمها، واتسعت أبعادُها، ولم تعد مجرد بروز مستطيل غير عريض، وأصبحت أكثر شيوعاً في مباني المدن الإنجليزية. ومع زيادة إنتاج الحديد الزهر في زمن الريجنسي الذي كان له طرُزه المعمارية المميزة، حيث كانت المساكن تُبنى بأسلوب المدرجات، ولها شرفات أنيقة من الحديد الزهر أو المطاوع؛ وترتب على ذلك أن انخفضتْ تكلفة هذا النوع من الحديد، فشاع استخدامُه في زخرفة شرفات جولييت، ودخلتْ في أشغال الزخرفة بالحديد وحدات زخرفية جديدة، أبرزها الجِرار.
وامتد استخدام أشغال الحديد حتى العصر الفيكتوري. وكانت أبحاث الصحة العامة قد أكدت على أهمية الضوء الطبيعي للحياة في البنايات السكنية، فتسابق المهندسون المعماريون لإيجاد سبل تعزيز دخوله إلى حجرات المنازل، من خلال الشرفات والنوافذ؛ وقد تزامن ذلك مع تقدم صناعات الزجاج في العصر الفيكتوري، فوفرت ألواحاً زجاجيةً دخلتْ في تشييد الشرفات، وساعدت على تحقيق هدف الإضاءة الطبيعية للمنازل. ويمكن القول بأن العصر الفيكتوري هو عصر ازدهار الشرفات.
وفي العصر الإدواردي (نسبة إلى الملك الإنجليزي إدوارد السابع 1901:1910)، دخلت الشرفات الإنجليزية والأوربية بعامةٍ طوراً جديداً، حيث كبرت مساحتُها طولاً وعرضاً، فأعطت المساكن مساحات إضافية خارجية، وأنشأ المهندسون أسوارها من الحديد المطاوع أو الخشب الأبيض المنحوت، إضافةً إلى الزجاج؛ ثم لم يلبث الألومنيوم أن دخل في تصميم وبناء الشرفات، فأعطاها أسواراً تقاومُ الصدأ ولا تحتاج إلى طلاء ولا لصيانة مكلفة.