ثلاثة حماصنة طبعوا شعر المدينة وسوريا بأسرها
كانوا ثلاثة حماصنة، كما يقول السوريون في وصف أبناء حمص، طبعوا شعر المدينة وسوريا بأسرها خلال أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم:
وصفي القرنفلي (1911 – 1972)، عبد السلام عيون السود (1922 – 1954)، وعبد الباسط الصوفي (1931 – 1960)؛ وهذه السنة التي تنقضي، 2022، سجّلت الذكرى المئوية لولادة الثاني بينهم، والأشدّ إمعاناً في التوغّل نحو السطوح الأعمق لنفس تراجيدية ومبرّحة وقلقة، وجريحة بالمعاني النفسية والوجودية، ومعذّبة جسدياً أيضاً لأنه رحل مبكراً تحت وطأة توسّع إكليلي في القلب.
وللشاعر العراقي الراحل سعدي يوسف قصيدة بعنوان «تقليد عبد السلام عيون السود» يستعيد فيها قصيدة للشاعر الحمصي على نحو تركيبي أقرب إلى المَزْج والاستيحاء منه إلى الاقتباس؛
فيها يقول عيون السود:
أنا يا صديقة مرهق/ حتى العياء فكيف أنتِ/ وحدي أمام الموت/ لا أحد سوى قلقي وصمتي/ والليل أعمق ما يكون/ سرى وأسفار بعيدة/ وهناك في الأعماق/ آهات وأشواق جديدة/ أهفو فتلتفت الطريق/ وتسأل النسمات عني/ ويرود وجهك في الذهول/ فيطمئن إليه ظني/ غمر اللقاء جوانحي/ بالورد أبيض والعبيرِ/ وكأنّ أنفاس الصباح/ تخط كالرؤيا مصيري.
وفي المقابل يفتتح يوسف قصيدته هكذا:
«لكأنّ وجهَكِ، يا صديقة، في المتاهة، وجهُ أختي/ ألَقٌ له ألقٌ، ومعنىً غير معنىً، أو كلامِ/ لا بدَّ أن أمضي، وأن أجد التفرُّد في الزِّحامِ/ ولَئنْ تعثّرتِ الخطَى، ونسيتُ ما مرمى سهامي/ فلأنّ ما يعني الكلامُ الآنَ قد يعنيه صمتي/ أنا يا صديقة متعَبٌ حتى العياء فكيف أنتِ؟/ أمشي، ولكني المُسَمّرُ، والسّحابُ الجونُ بيتي/ ماذا؟ أأهجسُ في الهجيرِ متالعَ الثلج البعيدِ؟/ هل تولَد البيداء من كَفّيَّ، أم كفّايَ بِيْدي؟/ والنهرُ هل غنّى؟ أم الماءُ المتعتعُ بالنشيدِ؟/ إني انتظرتُكِ لم تجيئي، وارتجيتُكِ…لم تَبتِّ/ أنا يا صديقة متعبٌ حتى العياء، فكيف أنتِ؟»…
صبحي حديدي