د. منى طه عبد العليم تتحدث إلى “ليفانت” بعد اختيارها ضمن أفضل 80 شخصية على مستوى العالم
حوار مع الدكتورة منى طه عبد العليم
الفائزة باختيارها ضمن أفضل 80 شخصية على مستوى العالم
حاورها: د. أدهم مسعود القاق
طالعنا منذ فترة قصيرة، الشهر الماضي، على صفحتك في الفيسبوك خبر تكريمك من قبل وزارة الخارجية الأمريكية؛ باختيارك ضمن أفضل 80 شخصية على مستوى العالم، هلّا أخبرتينا بشيء من التفصيل عن ذلك التكريم؟
بداية، اسمح لي أن أشكر حضرتك، وإدارة مركز ليفانت للدراسات الثقافية بالإسكندرية، للتفضل بإجراء هذا الحوار معي.. ألف شكر لجميع العاملين في مركزكم.. نعم، تم تكريمي مؤخرًا من قبل وزارة الخارجية الأمريكية ضمن أفضل 80 شخصية للتبادل الثقافي على مستوى العالم، ويأتي هذا التكريم وتلك الاحتفالية بمناسبة مرور 80 عامًا على إطلاق الحكومة الأمريكية برنامج الزائر الدولي، وهو برنامج للتبادل الثقافي، حيث يتم بمقتضاه دعوة قادة حاليين أو مرتقبين لزيارة الولايات المتحدة، والتعرف عن قرب على الثقافة الأمريكية والاختلاط بالمؤسسات المتنوعة والقادة في المجالات المختلفة، كل على حسب تخصصه واهتماماته. وقد تمت دعوتي في عام 2010 من قبل السفارة الأمريكية بالقاهرة لزيارة الولايات المتحدة كزائرة دولية في برنامج خاص بالتعددية الثقافية، إذ مكثت هناك ثلاثة أسابيع، وهيئت لي هذه الزيارة مقابلة قادة فكر وسياسة ومنظمات مجتمع مدني، وتنقلت بين أربع ولايات أمريكية، جدير بالذكر أنّه يتم اختيار أفضل 80 شخصية من إجمالي 225 ألف شخصية زاروا الولايات المتحدة في إطار هذا البرنامج على مدار الـ 80 سنة الماضية.
ألف مبارك لحضرتك هذا الاختيار الموفق، ونبارك أيضًا لأنفسنا ولمصر وللعرب هذا التكريم المهم، د. منى، وسؤالي: على أي أساس تم اختيار حضرتك؟
بالنسبة للزائر الدولي، يتم اختيار القادة الحاليين أو المرتقبين في مجالات الأدب والفن والسياسية والمجتمع المدني والرياضة، وتتم دعوتهم بشكل مباشر من قبل وزارة الخارجية الأمريكية ممثلة في السفارة الأمريكية لزيارة الولايات المتحدة، والتعرف عن قرب على الثقافة الأمريكية ومقابلة قيادات في مجالات متصلة. أما بالنسبة لمعايير اختيار أفضل الشخصيات على مستوى العالم في إطار برنامج الزائر الدولي، فيمكنني أن أخمن بدراسة أثر أعمال تلك الشخصيات في مجتمعاتهم المحلية والقومية، أي قدر التطور الذي حدث للشخصية المختارة منذ الحصول على دعوة الزائر الدولي، وما تمكنت تلك الشخصية من تحقيقه من إسهامات على المستوى الفرديّ والمجتمعيّ تجاه خير الإنسان بشكل عام، ومواطنيه في البلد الذي ينتمي إليه.
عافاك الله دكتورة.. وفي هذا السياق، أمن الممكن التفضّل بإخبارنا عن خبراتك المهنية والعلمية؟
أنا تخرجت من كلية الآداب بجامعة الأسكندرية، وتخصصت في الفلسفة السياسية، حصلت عام 2005 على الماجستير من نفس الجامعة وحصلت عام 2015 على الدكتوراه، مؤلفة لخمسة كتب: أول كتاب صدر لي بعنوان: “الحوار بين الثقافات: نحو تحقيق الحوار وتجاوز التحديات”، وصدر عن المعهد السويدي بالإسكندرية عام 2008. لي مجموعة قصصية بعنوان : “بنات الأصول” وصدرت عن دار العين عام 2012، ورواية “زينب في أمريكا” وصدرت عن دار الأدهم عام 2018. كما صدر لي عن مركز ليفانت للدراسات الثقافية والنشر كتابان وهما: “المسار البراجماتي في الاشتراكية الديمقراطية: لمحات من فكر الفيلسوف الأمريكي سيدني هوك (2019)، وكتاب “مأزق الليبرالية والكتابة المستترة: دراسات في الفلسفة السياسية للمفكر الأمريكي ليو شتراوس” (2019) أيضًا، وكلاهما طباعة للمادة العلمية الخاصة بدراستي الماجستير والدكتوراه على التوالي، وأعمل حاليا خبيرة اتصالات من أجل التنمية ومسؤولة علاقات عامة بإحدى منظمات المجتمع المدني فضلا عن عملي محاضرة لمادة “النظرية السياسية” بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا – كلية الإدارة والتكنولوجيا – قسم العلوم السياسية.
توليت في أثناء مسئولياتي المهنية قيادة مشروعات قومية انصبت على دعم الشباب، وخاصة ذوي القدرات الخاصة فضلا عن دعم المرأة.
من دون أدنى شك، استفدت من حضرتك بحواراتنا السابقة، وقد لفت انتباهي – خلال تلك الحوارات – استغراقك في الفكر الفلسفي السياسي الأمريكي، تُرى، إلى أي مدى وصل تأثرك بالفكر والثقافة الأمريكية؟
بداية أنا مع تعميم الحوار، وأن تكون حواراتنا على مستوى المسؤولية تجاه الذات وتجاه المجتمع، وأتمنى عليكم في مركز ليفانت أن تزيدوا وتوسعوا دوائر الحوار بين أهل الثقافة الجادين، على قلتهم، وعن تأثري بالفكر السياسي الأمريكي.. نعم، تنصب دراساتي الأكاديمية وخاصة للماجستير والدكتوراه في الفكر السياسي الأمريكي متمثلا في بحث أعمال اثنين من كبار المفكرين الأمريكيين، وهما سيدني هوك وليو شتراوس، أما عن مدى التأثر، فاسمح لي سيادتك أن أشير إلى الأثر الكبير الذي أحدثته دراساتي تلك على تكويني الثقافي، وعلى مجمل حياتي.
دكتورة منى.. كيف؟ لم أفهم مدى قبولنا بفكر يحاول أن يلغي الآخر!
لقد علمتني دراستي للفلسفة نفسها أن أوسّع أفق تفكيري، وأن أشحذ إدراكي لمعرفة ما يحيط بي، ولعله من العسير إدراك الحقيقة المطلقة أو القول بأن أحدًا منّا يمتلك الحقيقة المطلقة، فكل ما نملكه هو “رأي”، وجهات نظر تجاه قضايا متغيرة وبتسارع في عالمنا المعاصر، وما أبدي فيه اليوم رأيًا سالبًا، لا استبعد أن أغيره مستقبلا ليكون إيجابيًّا والعكس صحيح.
الفكر السياسي الأمريكي لم يزل يطرح قضية صراع الحضارات، ولا يريد فلاسفته أن يستمعوا لمن يسعى في دروب الحوار والإقرار بمبدأ المثاقفة، لا سيما مفكرو المقاومة الثقافية في البلدان النامية كادوارد سعيد وهومي بابا الهندي، قد يحتاج هذا الأمر لحوار آخر، لكن سؤالي: هل ما ترتكزين عليه بفكرك يتعلق بالفكر النسبي وتأثرك بمذهب الشك؟
إن ما طرحه د. سعيد وغيره من مفكري ما بعد الكولونيالية يحتاج كما قلت إلى حوارات موسعة، بل مؤتمرات عديدة لتفكيك ما توصل إليه، هو وكثير من مفكري المابعديات.
أما عن سؤالك، فأقول: أبدا، ليس على هذا النحو، ولكن علمتني الفلسفة العمق في التفكير، وأن اتناول أكثر من رأي عند دراساتي للموضوع الواحد، فجاءت لي الفلسفة عامة ثم الفلسفة السياسية خاصة بمثابة توجيه عميق نحو التفكير النقدي. والنقد هنا، وكما – تعلم سيادتكم – ليس المقصود به توجيه النقد للآخرين، ولكن يقصد به عدم الانسياق وراء الانفعالات المتغيرة والمتبدلة، فلا يصح مثلا أن نبدي رأيا في موضوع لم نخصص له وقتا كافيا للدراسة والتعمق. ويتطلب ذلك مراحل عدة، تبدأ مثلما يبدأ المنهج العلمي من ملاحظة وجمع معلومات وتدقيق وإخضاع ما جمعته من معلومات للاختبار والتمحيص، ويمكن بناء على كل ذلك الوصول إلى حكم أو إبداء رأي، ويتصل ذلك بشكل أساسي بقاعدة في المنطق تنصّ على عدم إصدار أحكام كلية من دون دراية ووعي بالقضايا المدروسة، فالأحكام المطلقة تصدر من منطلق الجهل وليس العلم.
ظنّي أنّك لا تطلبين أن يتوقف الناس عن إصدار أحكام، لا سيما الإطلاقية منها، ولكن أليس من حقوق وواجبات المفكرين في البلدان والمجتمعات التي تعاني من الفقر والقهر والجهل والأمية، ومن الاستعمار الجديد الذي يعيق تقدم هذه الشعوب أن يصدروا أحكامًا بأحوال الواقع المعيش؟!
ليس بالضبط، أنا لا أطالب بإقالة عقل المفكر السياسي، بل أدعو للتوقف عن التسرع في إصدار الأحكام، وأن نعقل الأمور أولا، وأن نتناول الموضوع الواحد من كافة الأوجه. وأن نستمع أكثر مما نتكلم. ولعل ذلك أحد أهم الأمور التي تساعدنا على حل مشكلاتنا بفعالية، ويدعم قدرتنا على اتخاذ القرارات الصائبة.
كل الشكر لك سيدتي الدكتورة منى طه، ومن جديد، وفي الأوقات كلها نبارك لحضرتك، ولأنفسنا على نجاحاتك على المستوى العالمي، وعلى تكريمك الأخير باختيار وزارة الخارجية الأمريكية بصفتك واحدة من 80 شخصية مؤثرة في أنشطة التبادل الثقافي على مستوى العالم.
شكرًا لكم، وأتمنى من جديد أن ينشط مركز ليفانت للدراسات الثقافية في حراك ثقافيّ مختلف عن السائد، من أجل أن نسهم جميعًا بتغيير حالة الوعي المنتشرة القائمة على الخرافة والسحر والغيبيات.