نقد

دراسة نقديةحول رواية الناشئة ” متوحش الأفيرون “

دراسة نقديةحول رواية الناشئة ” متوحش الأفيرون ”

للكاتبة د / عطيات أبو العينين

إعداد/ مجدي مرعي …ناقد ومؤلف ومخرج مسرحي للطفل

بدأت الرواية بتعريف عام من الكاتبة للأطفال المتوحشين  بأنهم ” تلك الفئة  التي ابتعدت عن الاحتكاك  بالجنس البشري  وعن سلوكهم غير السوي  وغير المتحضر ” وكأن الكاتبة  تلوح بالاهتمام بفئة أخرى في عالمنا المعاش  وهم أطفال العشوائيات ، وأطفال الشوارع وغيرهم  الذين يعوزهم الاهتمام والارتقاء بسلوكهم ، وتقديم أدب أطفال مناسب لهم

واتسمت الرواية بثراء اللغة عند الكاتبة, واستحضار الصور  البلاغية المركبة , والوصف الدقيق وكأن قلمها يحمل “كاميرا ” تصوير لتجسيد المشاهد أمام أعيننا وإظهار مفرداتها السمعية والبصرية حتى شعرنا أنها نقلتنا تماماً لعالم الغابة, فجاء وصف الغابة باستفاضة مغرقة ,واسهاب كثير صنع إيقاعاً بطيئاً, مالبث أن ازداد فصار لاهثاً على مدار بقية الرواية ، بشكل يجعل الطفل القارئ  لايدع الرواية  إلا وقد قرأها تماماً

 


ويتجلى الوصف الدقيق بوضوح عندما رسمت الأبعاد المادية والفسيولوجية والسيكولوجية  لهذا الكائن , حتى مالبث وكاننا نراه  شكلاً ونتابع حركاته ونتشمم رائحة جسمه  , وذلك حين ذكرت أنه وكأنه صار مغطى بالحراشيف , وأنه لايستحم , ورائحة فمه كريهة, ويتحرك على أربع , ويصدر مايشبه  القهقهات البعيدة كل البعد عن الأصوات الآدمية, وأن أعضاءجسمه أقل مرونة ، وعقله أقل استيعاباً ، وأن محاكاته للأشياء وإدراكه لها أكثر صعوبة, وكم كانت الكاتبة بارعة حين استدلت في وصفها على القرائن العلمية في تفسيرها اتخاذ هذا الكائن وضع الخفاش الذي يتدلى رأسه أسفل ، ويتعلق من قدمه أعلى حتى يحفظ اتزانه، وطاقته , وفي مشهد ” سينمائي ” بديع تروح الكاتبة في وصف انقضاض أفعى “الكوبرا”  وكيف تخلص منها هذا الكائن ، بفضل ماتعلمه من الغابة  من طرائق الدفاع عن النفس

وقد تعمدت الكاتبة بأن تأتي  بجمل لغوية مشوقة شأنه أن يحبب الأطفال في اللغة العربية  ويعيد إليها جمالها ورونقها ,  وهذه نقطة محسوبة للكاتبة , في وقت , يعوزنا الاهتمام بها بعد أن أصابها الكثير من الوهن والضعف , إضافة إلى استخدام مفردات مثل : مجانيق, تلابيب, ضيعة, هسهسة, وغيرها , و ذكر أنواع الأصوات مثل : زئير , صفير , خرير , نقيق , وغيرها من مفردات على مدار صفحات الرواية , مما يعمل على زيادة واتساع الحصيلة اللغوية للاطفال , وكأن الكاتبة هنا كلفت نفسها بأن تقوم بدور المعلمة ايضاً وليس دور أديبة الأطفال فحسب, فكل هذا الزخم اللغوي  يمثل عنصر جذب للأطفال.. أي أن عنصر الجذب لم يقتصر فقط على شكل الغلاف  والصور الملونة الملحقة داخل ثنايا الرواية , وأن كان للأخيرة أيضا يمثل عنصراً جذاباً قوياً للأطفال لان له أهمية قصوى في هذا الشأن أيضاً

ونظراً لهذا الثراء واتساع الفئة العمرية  المقدمة إليها هذه الرواية مابين 10 إلى 18 , وهي فئة متسعة شملت مرحلتي الطفولة المتوسطة والطفولة المتأخرة ، وكأن الكاتبة أرادت أن لاتحرم  هؤلاء الأطفال جميعاً من متعة الإستمتاع بهذه الرواية

جسدت الكاتبة  العلاقة بين العلم والانفعال أو التعاطف الإنساني، وانتصرت في النهاية  لبارقة الأمل  التي أحالت هذا الكائن إلى طفل حديث الولادة …ووضعت تصور أنه للأخذ بيد هذا الطفل أو هذاالكائن, لابد من إلغاءالإحدى عشر عاماً  من حياته ، والبدء معه من جديد  ويتضح  هذا التصارع  بين العلم والتعاطف الإنساني من هذا الحوار المقتطف بين ” د / بينيل” ، ومساعدته   ” لورا ”

بينيل : يجب التعامل معه  علمياً, بعيداً عن العواطف

لورا : ماذنبه  وأمه قد ألقت به في هذه الغابة  ,وهو يحتاج لرعاية وحب وحنان

بينيل : ينبغي أن يتخلى العالم عن إنسانيته لينجز مهامه العلمية

لورا : كم من جرائم ترتكب باسم العلم , وضاعت ضحيتها المشاعر الإنسانية ، علينا أن نمنحه الحب والمشاعر

وفي هذا الحوار المقتطف السابق تؤكد الكاتبة بشكل غير مباشر على دور الأم  وواجبها نحو   أبنائها برغم مايحمله الحوار من معنى بعيد عن ذلك

وهكذا دارت الاحداث بفضل ماأوجدته من شخصيات علمية  مثل عالم النفس والتربية   د / جان إينار ، ود/بينيل  ولورا ، وبشخصية المخرج السينمائي” رونالدو ” التي أضافت نكهة كوميدية  لتخفف من حدة الصراع ، وراح الناس يتصورون هذا الكائن بأنه  كائن  أسطوري أو أنه أحد أفراد القردة العليا ـ وينصرف الناس عن تفسيراتهم وتأويلاتهم ، حتى أنه عندما تم إيداعه  في مدرسة الصم والبكم والتخاطب  اعتبروه  أبله معتوق  يجب إيداعه  داخل المستشفى …وتبقي القضية معلقة بين دفتي العلم والإنسانيات

ومع صرخات “لورا ” المتكررة : اين حقوق فيرو المسكين..وإصرارها على إيجاد حلاً  …يظهر في الأفق بارقة امل …إذ بدأ ” فيرو ” يستجيب استجابة ملحوظة مابين سيطرة حياته القديمة عليه من تسلق الأشجار ومحاولات تقليده لاقرانه من الأطفال… ولأول مرة ينام “فيرو” كما تنام” لورا”

وفي النهاية أري في هذه الرواية أيقونة عظيمة من أيقونات أدب الطفل ، تضع كاتبتنا  ضمن رائدات أدب الطفل ..وأختم بما استهلته كاتبتنا بمقولتها العظيمة ” كم نحن مدينون برقينا للحياة الإجتماعية  وبكل علاقاتنا الإنسانية لنكون على مستوى إنسانياتنا”

مجدي مرعي

ناقد ومؤلف ومخرج مسرحي للطفل

 

 

 


اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه:

تم كشف مانع الإعلانات

رجاء تعطيل مانع الإعلانات لكي تدعم موقعنا شكرا