حوار عن انخفاض مستوى القراءة
أجرته أ. إسراء عبد المنعم كامل، مع د. أدهم مسعود القاق
1. أرجو أن تتكرم يا دكتور وتخبرني عن مستوى إقبال الناس على شراء كتب الأدب والفكر هذه الايام؟
- بدايةً، أهلًا وسهلًا بحضرتك، والشكر لزيارتك لنا، أما عن شراء الكتب، بأصنافها كلّها، وليس كتب الأدب والفكر فحسب، فإنني أجيبك من واقع عشناه منذ أيام في معرض الإسكندرية الخريفيّ للكتاب، الذي أقامه مركز ليفانت للدراسات الثقافية والنشر في هيئة الشباب المسلمين العالميّة، فقد كان المعرض تجربة كشفت عن واقع مأساوي؛ إذ عُرضت فيه آلاف الكتب من عشرات دور النشر العربية والمصرية، وكانت النتيجة آهات أصدرها أصحاب دور النشر لقلة البيع، وانتهى المعرض وخاب ظن الناشرين بقراء الإسكندرية، على الرغم من الحضور الملفت من فئة الشباب في الفعاليات الثقافية، التي رافقت أيام المعرض، ومن العجيب قلة الحاضرين من أوساط ثقافوية، وقلة منهم من اشترى كتبًا، قياسًا لزيارة طلاب وطالبات من جيل الشباب، الذي لفتوا الانتباه لخبراتهم في معرفة الكتب الجادة.
2. ما تفسيركم يا دكتور لهذا التدني في مستوى القراءة؟
- هناك ضعف في القدرة الشرائية لدى المواطنين قياسًا لأسعار الكتب المرتفعة نسبيًّا، لاسيّما الكتب المستوردة، ولعلّ ارتفاع أسعار الورق الذي بلغ نحو أربعة أضعاف سببٌ في ارتفاع أسعار الكتب التي يطلبها القارئ، كما أنّ هموم المواطنين وانشغالهم بهموم الدنيا يجعلهم عازفين عن القراءة واقتناء الكتب، وهذا ينسحب على أبنائهم، الذين لم يتمتعوا ببيئة تحترم الكتاب وتقتنيه وتجعله جزءًا أساسيًّا من مستلزمات الأسرة.
3. هل تعتقد أن ضعف الكتابة الأدبية والفكرية هو أحد الأسباب في هذا الانخفاض؟
- طبعًا، فمن يقرأ يدرك من هو الكاتب الجاد المسلّح بأدوات الكتابة، ويفرز الكتب القيّمة عن تلال الكتب التي ألّفها أصحابها من دون معرفة أو مسؤولية تجاه التأليف والمجتمع والوطن.. وللأسف نحن، في الوطن العربي، نعيش حالة أمية ثقافية متفشية بين المتثاقفين، التي نتج عنها عجز عن مواكبة التقدم الحضاريّ، إضافة إلى تعثّر الكتّاب الثقافويين في دروب المعرفة والعلم، التي تتطلب اليوم جهودًا متزايدة، نظرًا لتفرعها وتسارع تطورها، بل ممارسة أولئك الكتّاب الزيف والتضليل بوعي منهم أو من دون وعي؛ إذ منهم العدميون الذي يتماهون مع تجارب الغرب من دون أن يؤصّلوا لفكر أو أدب عربيّ يحمل سمات أهلهم وهوية أوطانهم وشعوبهم الثقافية، وآخرون سلفيّون يعيشون في قوالب الماضي عاجزين عن إعمال عقولهم وسط مجتمع إنسانيّ عقلاني التوجّه، والنتيجة أكوام من الكتب المزيّفة للوعي، التي نبذها القرّاء، وربما نبذوا معها كتبًا جادة.
4. كيف يمكن من وجهة نظركم علاج هذه الظاهرة؟
- لابدّ من استحداث مؤسسات ثقافية أهلية مدعومة من الدولة تُعنى بإنتاج فكريّ يتوافق مع متطلبات القرّاء والمجتمع، وأن تكون بعيدة عن مواقف سياسية تخدم أيديولوجيا بعينها، إن كانت دينية أو حداثوية أو علمانوية، وأن يكون شكل النتاج جميلًا ومحبّبًا للقرّاء، ومتوافقًا مع متطلبات الثورة الرقمية والاتصالات الحاليّة ومع الأجهزة الإلكترونية، التي يزداد استخدامها وتوظيفها بشكل يوميّ، وهذا يتطلب أيضًا التشجيع لنشر الأندية والمكتبات العامة، وأن يوجه الإعلام المرئي والمسموع؛ لخدمة توجه عقلانيّ وعلميّ في المجتمع، وتخصيص الأطفال بالقدر الأكبر من هكذا توجّه، ليصبح الكتاب أحد المقتنيات المهمة للصغار والكبار.
5. هل شبكات التواصل وفروع السوشيال ميديا أحد الأسباب؟ وكيف نواجه ذلك؟
- في بيئاتنا المجتمعية، نعم يلعب الإنترنت والأجهزة الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي دورًا سلبيًّا بعزوف الناس عن قراءة الكتب، لاسيّما جيل الألفيّة، أي مواليد الألفية الثالثة، والسبب هي قدرتهم إلى الوصول لمناهل معرفية وقيمية وتربوية عن طريق شبكة الإنترنت، حيث تفيدهم أكثر بكثير مما يُعرض عليهم من كتب ورقية متخلّفة ورديئة، بل تتحقق التغذية الراجعة لهم بشكل أسرع بكثير من استخدام الكتب المطبوعة، التي غالبًا ما تكون رديئة المواصفات في مجتمعاتنا، وأظن أن هذه الرداءة قليلة جدًا في الدول المتحضرة نسبيًّا، موطن الثورات العلمية المعاصرة ومصدر شبكة الإنترنت والأجهزة المتقدمة، ولعل أطفال تلك البلدان يتكيفون مع الأجهزة الإلكترونية، ويستفيدون منها أكثر مما يستفيده أطفالنا منها.
6. هل المدرسة والمدرس مسئولان عن انصراف الطلاب عن القراءة؟ وما الدور الذي يجب أن تقوم به المدرسة؟
– الحق أنّ الأسرة هي المؤسسة الأولى التي تتكوّن فيها شخصية الطفل، منذ سني طفولته الأولى، الأسرة مسؤولة عن تقديم الكتب وتعليم الأطفال استخدام الأجهزة الإلكترونية، ثم تأتي المدرسة التي يجب أت يتوافر فيها مكتبات محتوية على كتب مفيدة وجميلة ومسلية، وأن ترفد بشكل دائم بالجديد الجاد والقيّم، وأن يتواجد فيها قاعات صفية للحواسيب أيضًا؛ لتشكّل حافزًا للأطفال واليافعين من أجل القراءة واحترام الكتاب الورقيّ لا إهماله أو الاستهانة به، وهذا يقتضي أن تُجرى للمدرسين والمدرسات دورات مستمرة لمعرفة كل جديد في حقول المعرفة والتكنولوجيا والفنون والعلوم التي تفجّر الثورات المتلاحقة في كثير من فروع العلم، ليستطعوا مجاراة الصغار الذين يعيشون في أكناف التكنولوجيا وأجهزتها ويتكيفون مع شبكة الإنترنت.. كما على المدرسة أن تفسح المجالات للتلامذة والطلاب وتشجعهم على الحوار الثقافي والمثاقفة مع الشعوب الأخرى من موقع احترامهم هوية أوطانهم الثقافية التي تأسست عبر آلاف السنين وتطويرها.
مدير مركز ليفانت للدراسات الثقافية والنشر في الإسكندرية