حكايات مصطفى نصر
حكايات مصطفى نصر
ماتت أمي عام 1955، فأخذتنا أمها عندها في حي غربال، كان جدي – والد أمي – ينام على الكنبة، وننام كلنا على السرير بجوار جدتي.
في منطقة غربال، عالم جديد بالنسبة لي، ففيها عدد كبير من الزبالين. فقد ترك معظمهم المراغة- بلدتهم في الصعيد. وابتكروا هذه المهنة، كان لهم شيخ يشرف على أعمالهم، وكل واحد منهم معه وثيقة تثبت ملكيته للمنطقة التي يعمل بها. وممنوع أن يتعدي زبال على آخر، فيأخذ الزبالة من منطقة زميله. لو حدث هذا سيتدخل شيخ الزبالين وسيلزم المتعدي بالألتزام بمنطقته.
من يمتلكون مناطق زبالة في الحي هم الأكثر غنى، بينما الذي يعمل في الحكومة يعاني من الفقر. فمن يمتلك منطقة زبالة، يحصل على أجرة شهرية من أصحاب الشقق، هذا غير الأشياء التي يجدها في الزبالة، فهو يضعها في مكان بسكنه تشرف عليه زوجته التي ترسل إلى المتخصصين لشراء ما عندها، فكل شيء يباع، بقايا الخبز التي يجدونها في الزبالة، تحتفظ به زوجة الزبال ويأتي من يشتريه ليقدمونه طعاما للطيور التي يربونها في بيوتهم، وعلب السلمون والمربة، يشتريها متخصص بالتورة. وبقايا الأحذية تباع أيضا. هذا غير الملاعق والشوك، ويأتي رجل اسمه صمويل يمر في حواري غربال ممسكا بصندوق له يد من معدن، مناديا:
- دهب قديم للبيع، فضة قديمة للبيع.
وجاء رجل للمنطقة – استأجر دكانا، في الشارع العمومي يشتري فيه كل المعادن، الحديد والزهر والألمونيوم والنحاس، كل نوع له سعر. فظهرت بسببه مهنة جديدة في المنطقة، صبية يعلقون قفف صغيرة في أكتافهم ويمرون على ورش الحديد والنحاس والزهر، في السنوسي وأبي الدرداء والفراهدة عارضين على أصحابها أن يكنسوا أرضية ورشهم مقابل أن يحصلوا على قطع المعادن الصغيرة المتبقية من الصناعة. فيسمح صاحب الورشة لهم بذلك، فيسيرون في الشوارع ووجوههم معفرة بالتراب الأسود، ويقفون أمام دكان هذا الرجل، فيزن ما معهم من نحاس أو زهر أو حديد، كل نوع له ثمن. فيحصلون على مبالغ لا يحصل عليها موظف كبير في الحكومة..
وراجت تجارة هذا الرجل، فاستأجر دكانا – مجاور لدكانه –خصصه للحديد فقط.
وقد تابعنا أحداث جسام حدثت في منطقة غربال. فيكتشف المسئولون في محافظة الإسكندرية سرقة أغطية البالوعات من منطقتي محطة الرمل والمنشية.
لصوص أغطية البالوعات يدقونها بمرزبات قوية يحولونها لقطع صغيرة تباع بسعر الزهر. فتأتي الشرطة وتقبض على هؤلاء الشبان. كنا – ونحن صغار – نسير خلف المخبرين الذين يقبضون عليهم، فيضربونهم طوال الطريق، ويدخلونهم نقطة شرطة غربال.
وضبطوا رجل كان يدفع عربة أمامه بعد منتصف الليل، ويصعد على سلم عالي، وآلة حادة يخلع بها لافتات السينما المعلقة، ويبيع هذا الورق لتجار الدشت في المنطقة وهم كثر.
00
هذا العالم دفع الكثير من شباب المنطقة لمحاولة الوصول لتاجر المعادن القديمة هذا. ومنهم صبية يدرسون في مدارس. وبعضهم سار مع الأولاد الذين يجمعون النحاس والألمونيوم والزهر. على أمل أن يدفع لهم تاجر المعادن القديمة مبلغا كبيرا.
من هؤلاء صديقي الذي حصل على بكالوريوس تجارة.وشغل في شركة الغزل التي عمل بها درجة المدير العام. فقد عمل وهو في الثانوي مع شاب يجمع الورق من الشوارع ويبيعه لتاجر دشت في المنطقة.
أعتاد صديقي هذا أن يذهب إلى سوق الجمعة- الذي يبيعون فيه الأشياء القديمة، يذهب إليه بعد عصر يوم جمعة، حيث يحمل التجار أشياءهم ويعودون بها لمخازنهم أو بيوتهم. تاركين بضائع كثيرة لا تستحق عناء الحمل والعودة بها.
يذهب صديقي هذا لجمع هذه الأشياء ( أشرطة كاسيت ممزقة، ولعب أطفال محطمة ومتسخة، كراسي بحر لا يصلح الجلوس عليها، بقايا أقلام جاف. يذهب بهذه الأشياء إلى بيته، فتصرخ زوجته من الأسى.
جمعت الزوجة – في غياب زوجها – هذه الأشياء ووضعتها في صندوق، أخفته تحت سلم البيت. فعندما اكتشف هذا قال لابنته:
- أمك لو رمت الصندوق سأطلقها.
وسأل زوجته عن الصندوق, فقالت له متحدية: - رميته.
فخرج في الليل, ذهب إلي أخيها الذي يسكن العجمي, قال له: - سأطلق لك أختك.
فقال الآخر – محاولا التخفيف عنه: - طبعا ما أنت عندك شقتين دلوقتي, ويمكنك أن تتزوج مرة أخري.
يقصد أخو زوجته إن لديه شقته التي يعيش فيها الآن، وشقة ورثها عن أمه بعد وفاتها.
فغضب صديقي ومزق ملابسه – الفانلة الداخلية, والقميص, والبلوفر الخارجي – وثار قائلا له: سأضربهالك بسكين.
وعاد, وصل محطة مصر حوالي الثانية صباحا. وجد الضابط والمخبرين يفتشون المارة, لو رأوه هكذا كانوا قبضوا عليه.
وصل البيت, فلم يجد زوجته ولا ابنته. فقد اتصل بهما شقيق زوجته وحذرهم منه, قال لهم أنه مزق ملابسه وأنه هدد بقتل زوجته.
صعدت الزوجة وابنتها إلي شقة أخيه المتوفي, قضتا الليلة مع الأرملة وأبنائها. ولاحظ صديقي أن زوجته وابنته قد أخفتا كل سكاكين البيت.
في الصباح جاء شقيق الزوجة لينهي مشاكلهم . فقال له صديقي: - لا أريدها أن تبقي في شقة أعيش فيها.
قالت هي: - سأعيش أنا في هذه الشقة وتعيش أنت في شقة أمك.
( 2)
كعادتي في الكتابة عن شخصيات معروفة لن أذكر أسم من سأحكي عنه. فحكايته غاية في الطرافة والدهشة، فقد سافر للمملكة العربية السعودية، قبل أن يحصل على شهادة الدكتوراه. عمل بوزارة الشباب التابعة للأمير فيصل. ثم انتهى تعاقده معهم وحصل على كل ما له من أموال. لكن زوجته أحست بآلام في بطنها فعرضها على الأطباء هناك، فأكدوا له إنها حامل، ونصحوه بألا يسافر بها الآن، ولابد أن ينتظر عدة أشهر حتى يثبت الجنين في بطنها. فبقى في السعودية، فكان يذهب لمكان عمله السابق ليجلس مع زملائه القدامى، وبينما هو جالس مع زميل – مازال يعمل بوزارة الشباب- أتصلت به مستشفى وأبلغته بأن زوجة الأمير فيصل قد أنجبت ولد، فذهبا إلى الأمير وأبلغاه بالخبر. فأمسك الأمير دفتر شيكاته وكتب لكل منهما نصف مليون ريال وسيارة.
فذهب صديقنا إلى شركة السيارات وأخبرهم بإنه سيعود خلال أشهر قليلة إلى مصر، فوافقوا أن يسددوا له قيمة السيارة. وعاد لمصر محملا بالأموال، مما ساعده للحصول على شهادة الدكتوراه.
( 3 )
حكى لي صديقي بإنه تعامل مع مديرة بمكتب حكومي، عاونته لحل مشكلته. فأراد أن يدفع له مبلغا من المال. مقابل خدماتها له، فقالت: - لقد حجيت لبيت الله الحرام ولا أقبل رشوة.
لكنه ألح عليها، فأخرجت روشتة من حقيبة يدها، قائلة في إبتسام: - ما دمت مصر على ذلك، فخذ أصرف هذه الروشتة التي تخص زوجي.
وأكتشف صديقي أن ما في الروشتة مقويات جنسية. فقالت وهي تخفيها في حقيبتها: أنا بساعد زوجي في هذه المسائل.