حانوتي أسماك !
كان لي شرف الإسهام في وضع قائمة تصنيفية لأسماك الشعاب المرجانية في شرم الشيخ، إضافةً إلى قائمتي التصنيفية التي وضعتُها لعموم أسماك بحرنا الأحمر.
كان عملي في قائمة أسماك الشعاب المرجانية ضمن برنامج وحدة التنوع البيولوجي، التابعة لجهاز شؤون البيئة.
كنت أعمل بصفة (أجير) .. نعم .. أجير: جهد مقابل فلوس!
صحيح أن المشتغلين بالعلم ناس (ملو هدومهم)، لكنهم بشر يأكلون ويشربون ويُطعمون أبناءهم.
اشتغلتُ وأعددتُ دراسة تصنيفية حقلية، اشتملت على جمع عينات الأسماك، وتصنيفها، وتصويرها، وكتابة تقرير كامل.
اشتملت القائمة التي أعددتها عن أسماك الشعاب المرجانية في رأس محمد على 104 نوعاً؛ وهو جهد غير اعتيادي، واسألوا المتصلين بهذا المجال .. خاصة أن زمن المهمة كان خمسة أيام، فقط، لا غير، وفي غير وجود مختبر. كنت أعمل (في الحقل)، وفي الفندق!
كان الشغل يبدأ بقياسات لمختلف أجزاء جسم السمكة، والرجوع إلى بعض المراجع والكتالوجات، ثم تصوير السمكة، ثم حقنها بمحلول الفورمالين، ولفها بقطعة كبيرة من القطن المبلل بالفورمالين أيضاً، ووضعها، مع ورقة بيانات عنها، في كيس بلاستيكي.
كنت أسمي العملية الأخيرة بالتكفين !
وكان رفيق المهمة أحد أساتذة علوم عين شمس، أما (المعلم الكبير)، صاحب المقاولة، فكان أستاذا في علم الحيوان، لم أره مرة واحدة، وإنما أخذ هو كل جهدي، وقام بـ (تنسيقه) مع جهود آخرين، وصنع التقرير النهائي، وحصل على (الكعكة) كلها، و (نسي) ذكر اسمي كمسهم في العمل!
هذه صورة (مخففة) لما يجري في كثير من مواقع البحث العلمي. ففي أحيان كثيرة، يتقدم اسمُ أستاذ كبير، لم يفعل شيئاً، على اسمك أنت يا من قمتَ بكل العمل .. فهو الذي قدم (التسهيلات الإدارية)!
نوع فج من التأفيق.
وتنتهي الحكاية بنهاية رحلة المهمة، والتوجه إلى مطار شرم الشيخ، مغادرين.
يستوقفنا الجمركيون، ويصرون على تفتيش صناديقنا المحتوية على (جثامين) الأسماك المحنطة تحنيطاً مؤقتاً.
وقد كان .. فتحوا كل (كفن)، وخلطوا وريقات البيانات، وأفسدوا عملية الحفظ المؤقتة.
وكان أحد رجال الجمارك يقرأ الورقة الرسمية التي تدعو الرسميين لتسهيل مهمتنا العلمية، ونظر إلينا وقال: علماء أنتم أم حانوتية ؟!
عنده حق ..