#بين_الماضي_والحاضر
#بين_الماضي_والحاضر
محمد هلال
تدفعنا الأحداث التي نمر بها مرغمين بين الحين و الآخر لاستحضار محطات من التاريخ القريب لنقارن ما نحن عليه اليوم و ما كانوا هم عليه رغم تشابه الظروف احيانا
ترمانين التي هي بلدتي كان قديما” يمر منها الطريق المؤدي من حلب إلى بلاد الأناضول و هو جزء من طريق الحرير الذي كانت تسلكه قوافل المسافرين و القوافل التجارية من الهند و بلاد شرق اسيا مرورا بالاناضول وصولا للبلاد الاوربية
هذا الطريق التي ما تزال بعض ملامحه حاضرت الى اليوم و المشهور لدى أهالي ترمانين و المنطقة بدرب السكة هو ذاته أيضا التي كانت تستخدمه القوافل العسكرية لجيوش السلطنة العثمانية وجيوش حملة ابراهيم بن محمد علي باشا في مصر كما استخدمه الجيشين الانكليزي و الفرنسي إبان الحربين العالمية الأولى و الثانية
في تلك الأثناء كانت ترمانين اداريا ناحية تتبع لحلب اذ لم تكن محافظة ادلب قد احدثت بعد و كانت تشتهر برجالات صنعوا لها دورا” ومكانة علمية واجتماعية مثل الشيخ الحاج احمد الترمانيني و حفيديه الشيخين الجليلين أحمد و محمد الذي شغل احدهما منصب الإفتاء في حلب بينما برز الآخر على مستوى الازهر و الديار المصرية ثم تبعهم جيل من رواد النهضة و التنوير الفكري و الثقافي و السياسي و الحضاري كأمثال القاضي إبراهيم الترمانيني و عبد السلام الترمانيني الأول و الثاني و غيرهم الكثير فشغلوا أرفع المناصب ووصل شعاعهم العلمي و المعرفي لكافة ديار السلطنة بما فيها اسطنبول التي كان سلاطينها يكنون لهم كل التبجيل والتقدير و الإحترام ويرسلون لحضرتهم الوزراء و السفراء لطلب الرأي و أخذ المشورة والنصح و الدعاء وقصصهم في ذلك معلومة و مشهورة و موثقة لمن أراد الإطلاع في مراجع عدة من الكتب الشهيرة و مواقع البحث
مع بداية القرن الماضي سطع في ترمانين و المنطقة نجم جديد من هذه السلالة الطاهرة هو المرحوم:
هلال آغا بن عبدالرحيم عبدالحي آغا الذي أشتهر بمواقفه النبيلة وكرمه وصبره وحكمته التي أهلته لأن يكون العضو الأساسي الوحيد فيما كان يعرف حينها بمجلس حكماء منطقة حارم و الذي اتخذ قرارا” ذات يوم بتحويل و إبعاد درب السكة عن ترمانين
في الحقيقة ما كان لي أن أعرف تلك المعلومة عن جدي لولا زيارتي الأخيرة قبل أسابيع لأبناء عمومتي في بلدة أطمة و إستماعي لشغف رجل منهم بالتحدث عن تاريخ العائلة الكبيرة و سرده لهذه القصة
حيث سألت محدثنا حينها عن حقيقة مرور درب السكة للاناضول من ترمانين فأجابني:
نعم هو كذلك و ليس درب السكة فقط بل طريق الحرير وجدك هو من غير مساره و أبعده عن ترمانين
قلت في نفسي حينها لماذا تصرف جدي ذلك؟
وقبل أن أشغل تفكيري بجواب منطقي بادرني محدثي بإضافة باقي القصة فقال بحضور جمهرة من السامعين ما يلي:
لقد كان الطريق في تلك الأثناء تستخدمه كما ذكرت سابقا كل الحملات العسكرية من العثمانيين الى الانكليز و الفرنسيين و جدك كان ” شبعان ” و قال:
{ ليس من مقامنا أن نستقبل كل يوم قنصل أو نودع سفير }
غادرت أطمة لدارنا في ترمانين و لم تغادرني للحظة واحدة هذه القصة و ما برحت أسأل نفسي:
ماذا كان جدي ليتخذ قرارا” من هذا النوع دون الرجوع لأحد مع أن مثل هذا القرار يمس دول عظمى في حينها كالسلطنة و انكلترا و فرنسا ؟
نعم لقد كانوا رجال لأنهم لم يحسبوا حسابا” للدخيل في قضايا تخصهم وحدهم ونعم كانوا عظماء حين لم يهابوا غضب دول عظمى عليهم
ما دفعني لكتابة هذا المقال هو المقارنة بين الماضي و الحاضر بين جيلين جيل جلب الاستقلال لهذه البلاد و جيل بكل اسف ضحى به.