بكاءُ الكِبارِ – سامي الخيمي
بكاءُ الكِبارِ
بعد هزيمة 1967، أُصيب الشاعر الكبير محمد سليمان الأحمد ‘بدوي الجبل’ بصدمة كبيرة، فهو لم يكن يتوقع أن تنهار مصر وسورية والأردن وأن تُحتل الضفة والقدس والجولان وسيناء في ستة أيام، وراعَهُ أن تدخل الشعوب العربية في نفقٍ مظلم لا مخرج منه.
استل يَراعَه وكتب قصيدة عصماء ‘من وحي الهزيمة’، اسْتَرَقْتُ منها هذه الأبيات:
إرْجَعوا للشُّعوب يا حاكميها
لن يفيد التهويلُ و التّغريرُ
صارِحوها فقد تبدّلت الدُّنيا
وجَدَّت بعدَ الأمور أمورُ
و اتّقوا ساعة الحساب إذا دقّت
فيومُ الحسابِ يومٌ عسيرُ
يقف المُتَّهمان وجهاً لوجهٍ
حاكمٌ ظالمٌ و شعبٌ صَبورُ
كلُّ حُكْمٍ له – و إِنْ طالت
الأيّام – يومان : أوّلٌ و أخيرُ
كلّ طاغ – مهما استبدّ – ضعيفٌ
كلّ شعبٍ – مهما استكان – قديرُ
هاجم فيها الأنظمة في مصر وسورية دون هوادة.
وفي نيسان 1968 كان يسير على رصيف دمشقي، وإذ بسيارة تجتاح الرصيف وتَصْدُمُهُ بشكل مقصود.
نُقِلَ المُصابُ بحال الإغماء الى مشفى المجتهد دون أن يتنبه أحدٌ إلى هويته.
وفي إسعاف المشفى أمضى ثلاثة أيام في غيبوبة إلى أن تعرَّف عليه أحد المقيمين، فنُقِل إلى غرفة خاصة، وقدَّر الله أن ينجو ويستعيد معظم عافيته.
ذهب الشاعر الكبير عمر أبو ريشة ليزوره:
• سلامتك يا أخي، ما عليك شر.
^ هَشَّموني يا عمر.
• لا تقلق أنت جبل (بدوي الجبل).
^ لا أحد فوق رأسه ريشة يا أبو ريشة.
وتمازح الإثنان رغم أنهما لم يكونا متقاربَيْن، فلكل منهما مدرسته الشعرية المتميزة واتجاهاته السياسية المتباينة (بدوي كان قُوَتْلِياً وعمر شَهْبَنْدرياً)، لكن الخَطْبَ جَللْ تذوب دونه الفوارق وتتحول إلى تعاطف وتآزر.
قال عمر أبو ريشة:
• دعني أُسْمِعُك بعضَ أبياتٍ من الشعر لِتُرَوِّحَ عن نفسك. كتبتها في قصيدة لم أنشرها بعد- ‘عودة المغترب’- من وحي الهزيمة أيضاً:
أخذتْ بناصِيَتَيْهِ أَيْدي عُصْبَةٍ
كانت على سودِ الليالي هُجَّدا
تَشْقى العُلى إِنْ قيلَ كانت جُنْدَها
ما كان للجبناءِ أن تَتَجَنَّدا
من كلِّ مُنْفَضِّ السبيلِ، لقيطِهِ
شاءت به الأحقادُ أن تتجسّدا
نَثَرَ الخسيسَ من السلاح أمامه
و اختار منه أخسَّه، و تقلَّدا
و حَبا إلى حَرَمِ الرجال، و لم يَذُقْ
من قُدْسِ خَمْرَتهم و لكنْ عربدا
البَغْيُ أروعُ ما يكون مُظَفَّراً
إِنْ سَلَّ بإسم المكْرُماتِ مُهَنَّدا
قال بدوي الجبل:
^ ما أجملها، لا تَنْشُرْها يا عمر، سيقتصون منك. انظر إلى ما حدث لي، هل تريد أن تَسْتَلْقي إلى جانبي؟
صمت الإثنان، إبن منبج في حلب وإبن ديفة في اللاذقية، فبكى عمر ثم بكى البدوي.
بكى الإثنان كرامَتْهُما… كرامَةَ سورية.
ونحن اليوم نبكي كلَّ سورية، نبكي وحدة أراضيها … وليس كرامَتَها فقط.
تباً لمن ساهم في ذلك..