القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية
الدكتور جمال الأتاسي
تلك كانت مبادئ ومقولات، ومن بعدها جاءت ممارسات وضعت القائلين بها على المحك، وقامت لهم أنظمة وحكومات، ووقعت مفارقات وتغيرات. ولكن مؤلف الكتاب ظل على تلك المبادئ والأفكار، وظل على الولاء لذلك التيار الإنساني الديمقراطي في أحكامه على الأمور، ولم يبدلها مع تبدل المواقف والأزمان. وأنا مع المؤلف من حيث منطلقه المبدئي الرئيسي، وإن اختلفت معه حول عدد من التفاصيل. فقد أخذت عليه مثلاً العودة إلى مقولة ” الرسالة الخالدة ” في شعار البعث ليدلل على التمسك بالمبادئ والعهود، ورجوت أن يكون ذلك الشعار قد جرى على لسانه بحكم العادة كما هو الأمر بالنسبة لكثيرين غيره، ومن غير تمحيص، فمثل تلك المقولة ” الشعار ” عن الرسالة الخاصة للأمة وخلودها، تتنافى كل المنافاة مع النزعة الديمقراطية والإنسانية التي أخذنا بها، وتردنا إلى المنظورات القومية الشوفينية والامبراطورية، وتدفع للتمييز والتمايز وتبرر لنزعات السيطرة والشمولية والتسلط، وهي بذات الصورة التي تعطى بها صفة الإطلاق والمطلق للأمة تعطيها بالنتيجة أيضاً لحزبها ولزعامة الفرد. إلا أن ما جاء عليه المؤلف في كتابه، يدحض مثل هذا التوجه ويرفضه. وهو لا يقف عند الدعوة للإخاء العربي الكردي، بل ويؤكد على الانتماء الوطني وعلى المواطنية الحرة لكل من الشعبين، ويرفض الدعوات العنصرية والتمايزات الفئوية.
لعلني خرجت عن موضوعات الكتاب ومقاصده المباشرة عندما أخذت هذا المنحى في الربط بينها وبين منظوراتنا القومية. ولكن أوليس المنحى الذي نتخذه في تصورنا لقضيتنا العربية ووحدة أمتنا، والنهج الذي تسير عليه قوانا السياسية وأنظمة الحكم في معظم البلدان العربية، في معالجة مسائلنا الوطنية، وما تقوم عليه العلاقات بين الحاكمين والمحكومين في أقطارنا، هي التي تحدد من حيث الواقع والنتيجة طريقة فهمنا للقوميات الأخرى وتعاملنا معها ؟
فالقومية عندما تأخذ بها النزعة للشوفينية، لا تعود تنظر إلا بهذا المقياس للقوميات الأخرى، أي من خلال عصبيتها وتعصبها. والدولة القومية التي يقوم نظام حكمها على الاستغلال والتمايز الطبقي أو الفئوي، هي التي تنحو نحو استغلال الشعوب الأخرى واضطهادها. والنظم التي تقوم على التسلط والاستبداد، فهي بمقدار ما تضطهد شعبها ذاته وتفرض عليه هيمنة سلطاتها وتستخف بإراداته الوطنية الحرة، تضطهد أيضاً الأقليات القومية أو الشعوب القومية الأخرى المقيمة على أرضها أو على تخومها وتعمل لبسط السيطرة عليها وتستخف بحقها في تقرير المصير.
إن هناك نقطة مبدئية أعتقد أنني ملتق فيها مع مؤلف هذا الكتاب، من حيث منظورنا القومي الديمقراطي بل والاشتراكي أيضاً. فبمقدار ما نقترب من المفهوم الديمقراطي للوطن والمواطنة والسيادة الحرة للشعب في بناء نظمنا الوطنية وفي إنجاز مهمات تحقيق وحدتنا العربية، فإن مسألة الجماعات القومية غير العربية المقيمة في هذه المنطقة أو تلك من وطننا العربي، والتي لم تندمج بنا في الماضي وتحرص على وجودها القومي الخاص وخصوصيتها، لا بدّ أن تطرح نفسها علينا من خلال ذات المعايير الديمقراطية والإنسانية التي توجه مسارنا، ولا بدّ أن نقف منها الموقف الذي أردنا في تحررنا القومي، أي أن تكون لها إرادتها الوطنية الحرة وحقها في تقرير المصير.
كذلك، بمقدار ما نقترب من التطبيق الاشتراكي كصيغة في البناء الاجتماعي والاقتصادي لدولنا الوطنية أو لدولتنا القومية الموحدة، وكموجه للعلاقات بين القوى المنتجة ووسائل الإنتاج، والعلاقات بين المواطنين والدولة الناظمة لتلك العلاقات، أي بمقدار ما ينزل حكم الطبقة المستغلة والفئة المتسلطة وحكم الأسرة والعشيرة والفرد، ليقوم حكم الشعب والمصلحة العامة للشعب بالاحتكام لحاجاته الأساسية، أي بمقدار ما نقترب من المساواة بين المواطنين وتذويب الفوارق بين الطبقات ومن العدالة الاجتماعية، فإننا نقترب إلى صيغة سليمة وعادلة في العلاقات بين الشعوب والقوميات، وفي التقريب فيما بينها وإزالة أسباب تصادم مصالحها وأهدافها.
اقرء ايضا:
الجزء الأول من المقال
الجزء الثاني من المقال
الجزء الثالث من المقال
الجزء الرابع من المقال
الجزء الخامس من المقال
الجزء السادس من المقال
الجزء السابع من المقال
الجزء الثامن من المقال