سياسةمقالات سياسية

القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية – الجزء الثامن

الدكتور جمال الأتاسي

القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية – الجزء الثامن

الدكتور جمال الأتاسي

وإذا كنت قد أشرت إلى المنطلق ” البعثي ” الذي ينطلق منه المؤلف في منظوره القومي العربي وفي موقفه من قضية القومية الكردية والتعامل معها، وهذا ما يبرز أمامنا كمواقف يتخذها وأحكام يطلقها في عدد من فصول كتابه، فلأشير بالمقابل إلى أن حزب ” البعث ” في إطاره العام لم يكن دائماً موحداً في موقفه من هذه القضية، وهو مازال، شأنه في ذلك شأن العديد من القوى والأحزاب القومية العربية، لأنه لم يكن موحداً بالأساس من حيث منظوره القومي العربي ذاته. والدليل ما قام داخله من صراعات بين يمين ويسار، وحول قضية الوحدة والانفصال، ثم ما آلت إليه الأمور عند التطبيق وعندما أصبح حزب البعث حاكماً أو مؤثراً في الحكم في أكثر من قطر عربي. وكذلك ما كانت عليه مواقف أطراف أو حكومات بعثية من المطالب والتحركات الوطنية الكردية، وما سارت إليه في أشكال التعامل أو التقاتل معها.

لقد كان هناك في حزب البعث تيار أساسي يتطلع من منظور إنساني وديمقراطي تقدمي، في مقولاته القومية وفي العمل لبناء وحدة الأمة ودولة هذه الأمة، وفي التعامل مع القوميات الأخرى ومع حركات تحرر الشعوب في العالم. وذلك التيار لم يكن يقف عند الاعتزاز بأمجاد الماضي ودعوات الرجعة، وكان ينكر الشوفينية ويرفض العصبيات والتعصب والتمايز الفئوي وكل أشكال الظلم والاستغلال، وكان يتطلع من منظور مستقبلي إلى بناء دولة قومية ديمقراطية حديثة. وأذكر بهذا المعرض واقعة شهدتها في صيف عام 1957 عندما شاركت في وفد بعثي حزبي لمؤتمر عُقِد في أثينا للحركات الوطنية في دول البحر الأبيض المتوسط، تحت شعار التحرر الوطني ومكافحة الاستعمار، وكان الموضوع الأول في جدول أعماله التعاطف مع الثورة الجزائرية. ولقد دخل على ذلك المؤتمر نفر من القوميين الأكراد، راحوا يطرحون في كواليسه على الوفود قضيتهم ويوزعون عليها منشوراتهم وينددون بما يعانون من قهر واضطهاد في عدد من الأقطار. ولم تعرض تلك القضية في الجلسات الرسمية للمؤتمر واستُبْعِد طارحوها، إلا أن الجواب عليها من الجانب العربي، جاء في الكلمة التي ألقاها الأستاذ ميشيل عفلق الأمين العام لحزب البعث ومنظّره ذلك الحين، إذ وقف يتحدث عن المعاناة التي مرت بها ومازالت تمر الأمة العربية، من ظروف الظلم والاستعمار، وما فرض عليها من تجزئة وتخلف واستغلال وعما ترسخ في وجدان شعبها بحكم تلك المعاناة، من معان إنسانية عميقة ومن تطلع للتحرر الكلي للبشر. وكان في أقواله ما يعني أن حركة التحرر العربي، حين تتطلع من منظور قومي للمستقبل، وحين تحرص على حقها في الوجود كأمة وعلى تحررها الكامل ووحدتها، فهي بالضرورة لا يمكنها إلا أن تنظر من منظورها الإنساني ذاته لبقية الشعوب والقوميات المظلومة والمقهورة، فأمتنا العربية التي عانت التجزئة والاضطهاد والاستعمار طويلاً لا يمكن لها وهي تنهض اليوم مناضلة لتحقيق أهدافها، أن تقبل لنفسها اضطهاد قوميات أخرى تعيش في جنباتها أو على تخومها، وهي إذ تنشد حريتها فإنها تريدها في الوقت ذاته لشعوب العالم جميعها.

ولقد كان لتلك الكلمة وقع طيب على المؤتمرين، لما أسبغته من جو إنساني وروحي على المسائل، فصفقوا لها طويلاً، وتوقف الجدال والنقاش، وكأنها جاءت الرد والجواب.

 


اقرء ايضا:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

الجزء الثالث من المقال

الجزء الرابع من المقال

الجزء الخامس من المقال

الجزء السادس من المقال

الجزء السابع من المقال

 


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه:

تم كشف مانع الإعلانات

رجاء تعطيل مانع الإعلانات لكي تدعم موقعنا شكرا