سياسةمقالات سياسية

القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية – الجزء السابع

الدكتور جمال الأتاسي

القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية – الجزء السابع

الدكتور جمال الأتاسي

ولعل مؤلف هذا الكتاب ما دفع إليّ به لأقرأه وما طلب مني أن أقدم له إلا لما يعرفه من موقفي تجاه هذه القضية وبأنها تعنيني، هذا فوق ما بيننا من ودّ قديم. لقد جاء يذكرني بأيام خلت ومواقف لنا من هذه القضية وغيرها كانت مشتركة، عندما كنا رفاق درب واحدة، تحدونا آمال كبيرة باقترابنا من تحقيق أهدافنا القومية، ثم تفرق مسارنا وافترقت مواقفنا. وهو إذا ما ظل كما أحسب على الحنين إلى ” البعث ” القديم أو على الوفاء له، فإن منهج حزب ” البعث ” لم يعد نهجاً لي منذ زمن طويل، فلقد خرجت منه وخرجت عليه ووقفت في معارضته منذ عام 1963، أي منذ أن أصبح البعث دولة ونظام حكم، ثم أصبح نظماً مختلفة وشيعاً. ولقد جاء هذا الافتراق من خلال اجتهاد كان لي ومازال، في أن بعض قيادات حزب البعث منذ أن أخذ بها النزوع للسلطة والتفرد بها، وقفت لتعترض طريق المنهج القومي الناصري في إنجاز مهمات الثورة العربية كثورة قومية ديمقراطية، وليفوت على نضال الأمة فرصة تاريخية لتحقيق وحدتها، الفرصة التي توفرت لها بنهوض قيادة عبد الناصر التاريخية ونهوض مصر عبد الناصر، وما أمكن حتى الآن التعويض عن فوات تلك الفرصة، إلا بهذا التقهقر الكبير الذي تراجعت إليه قضية تلك الثورة وجماهيرها وقواها. وأنا اليوم من الذين مازالوا يعتزون بناصريتهم، ويأخذون بمنظور مستقبلي ومتجرد لها. وما أتيت على ذكر الانتماءات هذه وتحديدها، إلا توضيحاً للمنطلقات التي نتوجه منها إلى تحديد مواقفنا من القضايا القومية التي يعرضها هذا الكتاب، وأولها ما يتعلق بموقفنا كقوميين عرب من قضايا القوميات الأخرى والأقليات القومية الموجودة ضمن الحدود المرسومة للوطن العربي ولعدد من الأقطار العربية، ومن قضية القومية الكردية تخصيصاً. وأستبق ما سنأتي على سرده من أحداث مرت ومواقف مضت لها دلالتها بهذا الشأن، لأذكر بأن جمال عبد الناصر كان دائماً ينطلق من موقف وطني متفتح، ولقد جاء في عدد من مواقفه ومنذ عام 1959 أي منذ أن خرجت المسألة الكردية نفسها بشكل جاد على مسرح الأحداث في العراق وعلى العلاقات العربية والمشاريع الوحدوية، كان يؤكد دائماً على الإخاء العربي الكردي وعلى ضرورة إزالة كل أسباب التصادم بين الشعبين العربي والكردي، وكان يدفع دائماً لتأييد مشاريع التوفيق بينهما في العراق، كما كان في طليعة القادة العرب القوميين الذين أكدوا على مبدأ حق الشعب الكردي في الحصول على حقوقه القومية.

وعندما جاءني الأخ منذر بكتابه هذا، رحنا نسترجع معاً تلك المواقف التي سبقت تجاه هذه القضية، وعدنا نسترجع بعض الذكريات التي تدور حول المسألة التي يطرحها كتابه. ولقد كان حاضراً في ذهني دائماً الهواية الصحفية للأستاذ الموصلي، تلك الهواية التي أخذت كبيراً من اهتماماته وعمله في مرحلة مبكرة من شبابه، ومن قبل أن ينهي دراسته وأن يأخذ مواقعه المتدرجة في عمله كضابط وخلالهما. ولقد اشتركنا معاً عام 1956 في إعادة إصدار جريدة ” البعث ” الأسبوعية وبناءً على تكليف القيادة.. كنا أربعة قد تولينا هذا الواجب آنذاك. الرفيقان الآخران هما عبد الكريم زهور وجلال فاروق الشريف. ولما كنت أعهده بالمؤلف من هواية ودراية صحفية فقد طلبت منه أيضاً في آذار 1959 وألححت ليترك عمله كضابط وليأتي ويؤدي واجبه في مجال آخر ويأخذ مكانه إلى جانبي في العمل الصحفي رئيساً لتحرير جريدة ” الجماهير ” التي أصدرتها آنذاك بتكليف من الرئيس عبد الناصر أيام الوحدة. ولم تساعد الظروف على مشاركته، وتلك الجريدة لم أستطع الاستمرار بها لأكثر من مائة يوم. كما دعوته مرة ثانية للمشاركة معي واستلام منصب إعلامي كبير ” مدير عام هيئة الإذاعة والتلفزيون ” عندما استلمت وزارة الإعلام لفترة لم تطل، بعد حركة 8 آذار عام 63، وحالت الظروف في المرة الثانية أيضاً دون مشاركته. هذا ولا بدّ بهذا العرض من ملاحظة أن تلك الهواية الصحفية للمؤلف تبرز أمامنا في كثير من الاستطرادات التي يستطرد إليها في عدد من فصول كتابه. لقد بعدت تلك العهود التي أشرت إليها وباعدت بيننا ولكن تجربتها كان لها دورها في تحديد توجهات كل منا. وهو عندما جاءني اليوم بعد انقطاع طويل، لأشاركه قضيته في كتابه هذا لم أستطع أن أتخلف، ولا يحدوني في ذلك، تجديد المودة والتعويض عما فات، وإنما لأن القضية التي يعرضها تعنيني سياسة وفكراً، ولأدفع معه لما يدفع إليه من تجديد للحوار حول مسألة أشغلتنا معاً، وهي مازالت مطروحة وإن في صيغ قد اختلفت بالضرورة بتغير الظروف والأدوار، وهي مسألة العلاقات العربية الكردية وما يتشعب عنها من مسائل.

اقرء ايضا:

 


الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

الجزء الثالث من المقال

الجزء الرابع من المقال

الجزء الخامس من المقال

الجزء السادس من المقال

 


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه:

تم كشف مانع الإعلانات

رجاء تعطيل مانع الإعلانات لكي تدعم موقعنا شكرا