القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية
الدكتور جمال الأتاسي
إن ما ورد في الكتاب لا يصل بنا إلى طرح محدد لهذه الإشكالية ولعله يتفاداها. بل هو يعترض طرحها وينفي مبرراتها من خلال التأكيد على العوامل والعلاقات الإيجابية، وهو يقف عند الحلول الراهنة التي يقدمها الحكم العراقي لتسوية المسألة الكردية ولوضع حد للصراع المدمر الذي دار حولها على أرض العراق، كتعبير عن هذه الإيجابية من غير أن يخوض في خلفيات ذلك الصراع ومجريات أحداثه وتطوراته. والمؤلف يأتي هنا ليؤكد مجدداً على التسامح العربي المنزه عن العصبية والتعصب، ويأتي ليدافع عن الموقف البعثي ” الأصيل “، وما أعطاه أو ما يقدمه الحكم البعثي في العراق لأكراده من فرص وإمكانات لتعزيز ثقافتهم القومية ووجودهم الوطني. وهو على هذه الصورة إنما يعطينا الجواب من غير الخوض في مقدماته ولا البحث في متمماته، فهل يكون بذلك قد أنهى الإشكال أو قدم حلاً للمشكلة ؟
ليت أن الأمور كانت كذلك، ولكن ليعذرني إن قلت بأن عواطفنا الشخصية الطيبة ليس لها من دور فاعل في اللعبة السياسية الكبرى التي تطبق علينا وتجري من حولنا، وإن الإشكالية قائمة وهي تطالبنا جميعاً بالوضوح، وضوح الأفكار ووضوح المواقف والمقاصد.
ما أظن أن قناعات مؤلف هذا الكتاب أو منظوراته للقضية التي يعرضها يمكن أن تتوقف بهذه القضية أو أن توقف حركة تاريخها عند هذه النقطة الراهنة والحلول الجارية وكأنها محط الرحال، من غير تدارك لدروس الماضي ومن غير تحديد لمنظور مستقبلي لها. فهل أن التعقيدات السياسية الكثيرة التي تحيط بها وبنا في المرحلة التاريخية الراهنة التي تمر بها الصراعات الدائرة في المنطقة ولعبة التوازنات الإقليمية والدولية ولعبة المصالح الكبرى المتزاحمة، أصبحت تسد الطريق أمام الآمال القومية الكردية أو تبقيها معلقة، كما جمدت وعلقت الكثير من طموحاتنا العربية الوحدوية وطعنت أو فوتت علينا العديد من فرص تحقيقها… أم هل هي تجعل الخوض في هذه المسألة ضرباً من المخاطرة الذهنية أو بالأحرى السياسية، والتي لا تضمن عواقبها ؟
لقد رضيت لنفسي هذه المخاطرة منذ أن رضيت التقديم لهذا الكتاب، والمسألة الوطنية الكردية واحدة من المسائل الوطنية الأساسية لهذه المنطقة، وفتح ملفها ودعوة القوى السياسية العربية إلى الحوار من حولها وتحديد لموقف منها، إنما يتناول بالضرورة قضيتنا القومية العربية ذاتها، ومقوماتها ومبادئها، كما يتناول مسائل وحدتنا العربية وسبل تحقيقها.
لقد بدأت من القول بأن مؤلف هذا الكتاب له التزامه الفكري السياسي بقضيته القومية العربية ووحدة هذه الأمة. ولكن قضيتنا القومية ذاتها هي اليوم أيضاً في مأزق صعب وأمامها تحديات كثيرة، ونحن عندما نبحث في المسألة الكردية ومستقبلها، فلما لها أيضاً من تداخل مع قضيتنا القومية ومن علاقة بها، وعندما نسأل عن مستقبلها فلأن له علاقته بمستقبلنا. هذا عدا ما يلزمنا به المنطلق المبدئي، الأخلاقي والإنساني، وما تلزمنا به الأهداف المشتركة لحركة تحرر الشعوب في العالم.
اقرء ايضا:
الجزء الأول من المقال
الجزء الثاني من المقال
الجزء الثالث من المقال
الجزء الرابع من المقال
الجزء الخامس من المقال