القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية – الجزء الخامس
الدكتور جمال الأتاسي
القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية – الجزء الخامس
الدكتور جمال الأتاسي
وإذا جئنا إلى سورية أخيراً وإلى التعامل القومي العربي – الكردي فيها، وحيث لم تقم هناك مشكلات أو إشكالات بارزة من هذه الناحية، فهل حالت القرابة والقربى، بل والاندماج الوطني لكثير من الأكراد، دون أن يعتمد نظام الحكم، ذات يوم، خططاً وإجراءات في منطقة الجزيرة وشمالي سورية، أقل ما يقال فيها أنها غير عادلة وغير أنسانية، تجاه المواطنين الأكراد المتواجدين في تلك المنطقة وتجاه النازحين إليها هرباً من اضطهاد السلطات التركية. فمنذ عام 1967 أقامت الحكومة السورية ما يسمى بالشريط العربي أو الحزام العربي توطيناً وتمليكاً، كما حجبت عن كثير من الأكراد المقيمين في تلك المنطقة الجنسية والهوية السورية، بما في ذلك العديد من الأسر التي استوطنت هناك منذ زمن طويل ولها من مواطنيتها السورية أباً عن جد، فهل هي الشوفينية تأخذ مجراها، أم هي احتياطات غير موفقة تقدم تبريراً لها التحسب تجاه ما قد يراود بعض القوميين الأكراد، من إيجاد وطن بديل على الأراضي السورية، لما حيل بينهم وبينه في بلدان مجاورة ؟
إن المؤلف لا يريد أن يتعصب لعروبته وحدها، ولا يريد أن يأخذ بالوطنيين العراقيين والسوريين أو بالقوميين العرب عموماً، التعصب والنزعات الشوفينية ومقولات التمثل والدمج، كما ولا يريد للقوميين الأكراد أن تأخذ بهم العصبيات أو أن يحجب عنهم التعصب رؤية الواقع والممكن. وهو يعرض أمامنا المآخذ التي يأخذها على ” غلاة الأكراد ” والمتطرفين منهم، أولئك الذين يحرفون وقائع التاريخ والحدود الجغرافية فيمدون أرضهم الوطنية حسب دعوتهم وتصوراتهم، فوق أراضي الآخرين وأوطانهم، ويشدون تخومها ومراميها إلى الخلجان والبحور، وبذلك لا يعود تطلعهم مجرد تطلع إلى موطن فعلي أو وطن لشعب مقيم، وإنما لما يشبه الامبراطورية الكردية، وهذا ما ينعكس سلباً على المشروع القومي الكردي نفسه كمشروع تحرر وطني لشعب يريد لنفسه حرية تقرير المصير ويريد وحدته، ويريد أن يلتقي بحركات تحرر الشعوب ويتعاون معها. وهو كما يقيم تصادماً بين الحركات الشعبية في المنطقة، يقيم الانقسام أيضاً داخل الشعب الكردي نفسه، كما يفسح مجالاً كبيراً للزعامات الإقطاعية والعشائرية والأسرية، ولتمسك بزمام الحركة الوطنية الكردية، من خلال نزعاتها العصبوية وعقليتها المتخلفة وإثاراتها الشوفينية، وهذا ما يترك السبيل ممهدة أمام تدخل اللعبة الدولية وصراعات النفوذ في المنطقة لتحكم مسارها ولتحرف هذه الحركة عن أهدافها الوطنية المباشرة، بما تشد إليه مثل هذه الزعامات من مصالح خاصة وفئوية، ومن علاقات تابعية ومن ارتباطات خارجية.
إننا نجد أنفسنا هنا أمام إشكالية سياسية واستراتيجية تطالب بإجابات عليها، وتفتح باباً للحوار، وتطالب بالوضوح وتحديد المقاصد والأهداف، القيادات السياسية والحزبية المتقدمة إلى ساحة الفعل والتأثير في كل من الجانبين. وإذا كان المؤلف لم يطرحها بصيغتها المباشرة في كتابه، فإنها تظل تطل علينا من كل جوانب عرض المسألة في الكتاب، وما أن نريد الوصول بها إلى غاية، وما أن نحاول الانتقال من سياق العرض التاريخي الذي يقدمه، إلى معترك الأحداث الراهنة في الساحتين العراقية والإيرانية وما بينهما، وكذلك على أرض كردستان تركيا. وإلا فماذا يبقى من هدف للكتاب بعد طول الشرح والتفصيل للجذور والمقومات القومية، إلا أن يضعنا أمام توجهات، وأمام معايير لتبديد هذه الإشكالات، ولإزالة أسباب التصادم بين حركتي التحرر العربية والكردية.
اقرء ايضا:
الجزء الأول من المقال
الجزء الثاني من المقال
الجزء الثالث من المقال
الجزء الرابع من المقال