سياسةمقالات رأيمقالات سياسية

القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية الجزء الثاني

الدكتور جمال الأتاسي

القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية

الدكتور جمال الأتاسي

الجزء الثاني من المقال

الأستاذ منذر الموصلي يريد أن يؤكد أمامنا على الوجود القومي للأكراد. وهو في هذا ” السفر ” الطويل، والذي سيتبعه كما يعدنا بدراسة مكملة تتناول جوانب أخرى من المسألة، يقدم لنا الكثير من المعطيات، سواء ما يتعلق بها بجغرافيا الأرض والوطن، أو ما يرتبط بالتاريخ ومصادره ومساراته، وبالثقافات التي تملكها هذه الجماعة الإنسانية وبالأيديولوجيات الدينية والمذهبية التي اعتنقتها، ويسرد ما هو قائم في تقاليدها وعاداتها وطباعها وأزيائها، ويسهب في الحديث عن عشائرها وأصولها وعن زعاماتها الأسرية ومنابتها. ويحدثنا عن عوامل تشتتها وتفرقها وعن عناصر تلاحمها ووحدتها. ويذكرنا بما قام لها في الماضي البعيد والقريب من ولايات وإمارات، بل ومن جمهورية إقليمية لم تعمر طويلاً. ويعرض ما بذل لها من وعود دولية أو ما أخذت به من أحلام وطموحات. إنه ليسوق هذا كله وكأنما يريد القول، أن أولئك القوم المتحدرين من ذلك الشعب العريق، الجبلي المقاتل الشجاع، والذين تسموا من خلال هذه المزايا والصفات، كرداً وأكراداً، إنما يحملون مقومات جماعة متماسكة عبر تشكلها التاريخي ومقومات شعب، ليكون من حق هذا الشعب أن يستكمل مقومات وجوده القومي كأمة، وأن يكون له كيان قائم بذاته ووطن. ومن الممكن بل ومن الحق أن يقوم كيان قومي لهذا الشعب، أسوة بغيره من القوميات والأمم. هذا إذا ما أردنا أن ندفع بالمعطيات التي يقدمها المؤلف والاستنتاجات التي يستخلصها إلى نهايتها. وهو إن لم يقلها تأكيداً فإنها تبقى في المضمون. فهناك شعب يناضل منذ عشرات السنين في عدد من أقطار المعمورة، وبإصرار وتصميم وبذل وتضحيات كثيرة ليحظى بالاعتراف بوجوده القومي، وليصل إلى هذا الحق كاملاً غير منقوص.

إن صاحب هذه القضية ليس ولم يكن كردياً، والقضية الكردية ليست قضيته التزاماً من حيث أنه ينطلق من منطلق قومي في النظر إلى وجود الشعوب والأوطان والدول والعلاقات فيما بينها. أما قضيته الأساسية فهي قضية القومية العربية والالتزام بمشروع لتحرر الأمة العربية وبناء وحدتها وتقدمها، ومن هذا المنطلق يأتي إلى القضية الكردية، وإلى القومية الكردية كحق طبيعي وإنساني، وكحقيقة تاريخية لشعب مضطهد وممزق ومازال يمسك به الانقسام والتخلف، ليصبح شاغل المؤلف بل والقضية التي يتمسك بها، أن لا يقوم تعارض أو تصادم بين القومية العربية والقومية الكردية، وأن لا يقوم بين الشعبين العربي والكردي تحارب أو عداء، وأن لا يتصادم المشروع العربي للتحرر والوحدة، في أي موقع أو مرحلة، مع المشروع الكردي في أن يكون للشعب الكردي وطن وكيان. وهكذا فإن المؤلف يمضي في كتابه من البداية إلى النهاية ليؤكد على التواصل العربي الكردي، وعلى ما يؤلف بين الشعبين من روابط تاريخية ودينية وثقافية. فتاريخ الإسلام مشترك بينهما ومن معتقداته وقيمه الأخلاقية يستمدان جل مقومات كل منهما الثقافية والأيديولوجية، وهناك النضال المشترك الذي خاضاه عبر مراحل التاريخ، حيناً في خطوط متوازية وأحياناً في وحدة واندماج ضد الغزاة، سواء القادمين من الغرب أو الوافدين من أقاصي الشرق والشمال. ويقف بنا مثالاً وتفصيلاً عند الدولة الأيوبية التي قامت كياناً عربياً – إسلامياً تحت قيادة وحكم أسرة كردية المنبت والأصول. تلك الدولة التي يعتز بها كل عربي كمأثرة من مآثر تاريخه وكملحمة من ملاحم نضال أمته. ثم أن كلاً من الشعبين وقع تحت وطأة الظلم وعهود الإقطاع والاستبداد الشرقي وفي ظلمة الغيبية والتغييب عن مسرح التاريخ. وكلاهما وقع تحت وطأة عهود التأخر وتحت تعسف الامبراطورية العثمانية وطغيان حكامها. ثم جاء الغزو الكولونيالي الغربي ليبسط نفوذه على المنطقة التي يعيشان فيها كلها. لقد قامت الدول الاستعمارية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، ومن خلال تصفية التركة العثمانية وتقاسم مناطق النفوذ والسيطرة في العالم، باحتلال الشرقين الأوسط والأدنى، وأقامت حدوداً للأقطار والأقاليم وتوازعت الانتداب عليها، وفقاً لما سمي بالنظام الشرق أوسطي. وإذا كان ذلك النظام في التجزئة والتقسيم الذي أقامه النظام الاستعماري الكولونيالي، ثم جاء الاستعمار الجديد بصورته الامبريالية الرأسمالية يؤكده، قد أقام حدوداً فاصلة وسدوداً إقليمية بين شعوب أقطار المشرق العربي، ليضيف إليها فاصل الكيان الصهيوني كاستعمار استيطاني توسعي، فإن ذلك النظام لم يبق للشعب الكردي من أرض ولا وطن، بل هو بعثر الشعب كما وزع الأرض التي يعيش في حمى وديانها وجبالها وبين بحيراتها وأنهارها، بين أقطار عدة لأمم مختلفة. وإذا كان ” الحلفاء ” الغربيون قد أعطوا وعداً للوطنيين الأكراد، بإمكانية تأييدهم ليقام دولة مستقلة لهم في كردستان العليا من خلال تصفية تركة الامبراطورية العثمانية المهزومة في الحرب، كما جاء في معاهدة سيفز لعام 1920 فإنهم مالبثوا أن مسحوا ذلك الوعد كله في معاهدة لوزان لعام 1923 التي جاءت إرضاء لدولة أتاتورك التركية ولكسبها إلى حلفها الغربي، وبذلك تم وضع معظم أراضي المنطقة المسماة بكردستان في إطار حدود الدولة التركية الجديدة، ولم تشترط تلك المعاهدة على تركيا، كما لم يشترطوا على بقية أقطار المنطقة المتاخمة والواقعة تحت الانتداب، والتي يتواجد على أراضي ضمن حدودها المرسومة دولياً شعب كردي، كالعراق وإيران، إلا مبدأ ” احترام الحريات الثقافية والمدنية والسياسية لكل الأقليات “، الذي جاء هكذا على وجه التعميم.

اقرء الجزء الاول من المقال

المزيد عن الدكتور جمال الأتاسي

 


 


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه:

تم كشف مانع الإعلانات

رجاء تعطيل مانع الإعلانات لكي تدعم موقعنا شكرا