القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية – الجزء الرابع عشر والأخير
الدكتور جمال الأتاسي
إن النظام التركي قد رفض ومازال يرفض أن يكون للشعب الكردي أي وجود قومي على أرضه ولا يعطيه أي حق أو أية صفة لممارسة هذا الوجود، بل هو يسلب أبناء ذلك الشعب التسمية بالأكراد، وإذا أراد وضعاً مخصصاً لهم، فلا يقبل أن يسموا إلا بأتراك الجبال.
والحكم الإيراني فضلاً عن حملات التهجير والتنكيل المستمرة التي يمارسها ضدهم، لا يقدم لهم من حل إلا نظاماً من اللامركزية بالنسبة لمنطقتهم، ولا يعطيهم أي قدر من الاستقلالية أو الحقوق القومية، بل لا يعترف بوجودهم القومي.
ولكن يبدو أن الوفاق الذي يستكمل أبعاده اليوم بين الشعبين الكردي والعربي في العراق قد وصل إلى صيغة هي أكثر معقولية وأكثر إنصافاً من أية صيغة طرحت في الماضي، والأمل بأن يتواصل هذا النهج ويأخذ أبعاده. إلا أن الحل العراقي للمسألة يبقى جزئياً ومرحلياً، فالعراق وحده كقطر عربي لا يستطيع حمل عبء المسألة الكردية في كليتها القومية، إنه لا يستطيعه إلا في إطار أمته العربية الكبيرة، وفي إطار دولة عربية واحدة أو موحدة.
وأعود هنا إلى التصور الذي طرحه باسم إخوانه الأكراد جلال الطالباني عام 63 في القاهرة، ومن عوامل تفاؤلي لما يجري من توفيق أو وفاق في العراق، أن الطالباني وإخوانه ممن كانوا يحملون مثل ذلك التصور هم على رأس التحالف الوطني الكردي الماضي في هذا الوفاق. إن عراقاً ديمقراطياً وطنياً مستقراً منعتقاً من كابوس الحرب، يملك أن يعطي للشعبين ولكل أبناء الوطن قدراً أكبر من الحرية في كل المجالات ومن الإرادة الشعبية، ولكنه يظل لا يملك أن يعطي للشعب الكردي في إطار حدوده أكثر من الحكم الذاتي والاستقلال الإداري، ومن المساواة في المواطنية للجميع وإلا وضع وجوده ذاته في مهب العواصف التي يمكن أن تتوافد من الشمال والشرق، إلا أننا نملك تصوراً عربياً في إمكانية أن يكون للشعب الكردي كيانه القومي القائم بذاته في إطار الدولة العربية الموحدة سواء سميناه إقليماً أو جمهورية كردية. بل ونملك تصوراً في تعميم هذه الصيغة على بقية الأقليات في الوطن العربي، أي أن تكون هناك صياغة للوحدة العربية الشاملة كدولة موحدة متعددة القوميات، وأمامنا أكثر من تجربة ومن شكل في العالم لهذه الصياغة. أمامنا مثلاً دولة الاتحاد السوفياتي، بل ومن الممكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك عندما يكون لأمتنا كيانها القومي الموحد، وكما نص عليه دستور جمهوريات الاتحاد السوفياتي، في أن يكون للقوميات غير العربية عندها حقها في الاستقلال الكامل وفي الانفصال، إذا كانت تلك هي الإرادة الوطنية لشعبها من خلال مبدأ حق تقرير المصير، أو إذا ما وجدت صيغة أخرى لتحقيق وحدتها القومية خارج إطار الوحدة العربية.
ولكن هذا كله يبقى مجرد تصور وتوجهات ودعوة للوفاق الوطني والحوار، والمنظور أو التصور لا يتحول إلى هدف تتحرك نحوه وإلى مراحل تقطعها لبلوغه، إلا إذا كان تصوراً لقوى فعلية تعمل لتغيير الواقع الذي نرزح تحت تناقضاته، وإلا إذا كانت وراءه حركة جماهير وإرادات وطنية حرة للشعوب وهذه مسألة أخرى تردنا إلى مشكلة واقعنا العربي الراهن وكيف نواجهه ولست هنا في مجال بحثه فما أنا هنا إلا أمام تقديم الكتاب، فلنقرأه أولاً ولنضع وعينا القومي أمام الوقائع.
وأعود في الختام لأقول : ليعذرني مؤلف هذا الكتاب إذا ما ذهبت إلى أبعد مما قصد، أو لما هو أكثر مما يريد، مقدراً له جهده السخي الذي بذله، منتظراً كتابه الثاني المكمل الذي وعد به حول هذه المسألة التي تبقى قضية شعب ووطن.
جمال الأتاسي
دمشق 1985
اقرء ايضا:
الجزء الأول من المقال
الجزء الثاني من المقال
الجزء الثالث من المقال
الجزء الرابع من المقال
الجزء الخامس من المقال
الجزء السادس من المقال
الجزء السابع من المقال
الجزء الثامن من المقال
الجزء التاسع من المقال
الجزء العاشر من المقال
الجزء الحادي عشر من المقال
الجزء الثاني عشر من المقال
الجزء الثالث عشر من المقال