سياسةمقالات سياسية

القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية – الجزء العاشر

الدكتور جمال الأتاسي

القضية الكردية هي أيضاً… قضية عربية – الجزء العاشر

الدكتور جمال الأتاسي

فالقومية عندما تأخذ بها النزعة للشوفينية، لا تعود تنظر إلا بهذا المقياس للقوميات الأخرى، أي من خلال عصبيتها وتعصبها. والدولة القومية التي يقوم نظام حكمها على الاستغلال والتمايز الطبقي أو الفئوي، هي التي تنحو نحو استغلال الشعوب الأخرى واضطهادها. والنظم التي تقوم على التسلط والاستبداد، فهي بمقدار ما تضطهد شعبها ذاته وتفرض عليه هيمنة سلطاتها وتستخف بإراداته الوطنية الحرة، تضطهد أيضاً الأقليات القومية أو الشعوب القومية الأخرى المقيمة على أرضها أو على تخومها وتعمل لبسط السيطرة عليها وتستخف بحقها في تقرير المصير.

إن هناك نقطة مبدئية أعتقد أنني ملتق فيها مع مؤلف هذا الكتاب، من حيث منظورنا القومي الديمقراطي بل والاشتراكي أيضاً. فبمقدار ما نقترب من المفهوم الديمقراطي للوطن والمواطنة والسيادة الحرة للشعب في بناء نظمنا الوطنية وفي إنجاز مهمات تحقيق وحدتنا العربية، فإن مسألة الجماعات القومية غير العربية المقيمة في هذه المنطقة أو تلك من وطننا العربي، والتي لم تندمج بنا في الماضي وتحرص على وجودها القومي الخاص وخصوصيتها، لا بدّ أن تطرح نفسها علينا من خلال ذات المعايير الديمقراطية والإنسانية التي توجه مسارنا، ولا بدّ أن نقف منها الموقف الذي أردنا في تحررنا القومي، أي أن تكون لها إرادتها الوطنية الحرة وحقها في تقرير المصير.

كذلك، بمقدار ما نقترب من التطبيق الاشتراكي كصيغة في البناء الاجتماعي والاقتصادي لدولنا الوطنية أو لدولتنا القومية الموحدة، وكموجه للعلاقات بين القوى المنتجة ووسائل الإنتاج، والعلاقات بين المواطنين والدولة الناظمة لتلك العلاقات، أي بمقدار ما ينزل حكم الطبقة المستغلة والفئة المتسلطة وحكم الأسرة والعشيرة والفرد، ليقوم حكم الشعب والمصلحة العامة للشعب بالاحتكام لحاجاته الأساسية، أي بمقدار ما نقترب من المساواة بين المواطنين وتذويب الفوارق بين الطبقات ومن العدالة الاجتماعية، فإننا نقترب إلى صيغة سليمة وعادلة في العلاقات بين الشعوب والقوميات، وفي التقريب فيما بينها وإزالة أسباب تصادم مصالحها وأهدافها.

 


فلا بدّ أن تكون مثل هذه التوجهات واضحة، لا في مقولات أحزابنا القومية العربية والشعارات التي ترفعها فحسب، وإنما في ممارساتها والمواقف الفعلية التي تتخذها لكي نصل إلى إزالة أسباب التصادم، وإلى إيجاد صيغة للتعاون بل والتحالف الاستراتيجي أيضاً بين حركة التحرر العربي الوحدوية، وبين الحركة الوطنية التحررية الكردية، ولكي نصل من ذلك إلى الحلول المرحلية المناسبة للوجود القومي الكردي داخل الحدود المتعارف عليها دولياً لقطر عربي واحد بالتحديد أو لأكثر من قطر، ومن خلال منظور مستقبلي له ملامحه العامة الواضحة، بحيث لا يعترض سبيل برنامجنا القومي الوحدوي، ولا يقطع طريق التطلعات القومية الكردية، والتي لا تقف عند حدودنا العربية بل تتعداها في كثير إلى دول مجاورة وقوميات مختلفة. ومثل هذا التوجه يمكن أن يقدم حلاً أو طريقاً لحل، لا للمسألة الكردية في العراق وحده بل وللمطالب الوطنية والاستقلالية لمجموعات قومية أخرى كما هي الحالة بالنسبة لسكان جنوبي السودان. فالحركة القومية العربية حين تتركز مقوماتها الديمقراطية والإنسانية والتقدمية، وحين تسير كما سارت أيام النهوض الناصري في نهج قاطع ضد الامبريالية وضد كل أشكال السيطرة أو الهيمنة لشعب على غيره، ولدولة أو كتلة دول على غيرها، فإنها لا تقبل لنفسها ولا تريد بأية حال أن تفرض سيطرتها ولا الدمج والاندماج، على أي شعب آخر أو أية أقلية قومية تعيش في حيثياتها.

اقرء ايضا:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

الجزء الثالث من المقال

الجزء الرابع من المقال

الجزء الخامس من المقال

الجزء السادس من المقال

الجزء السابع من المقال

الجزء الثامن من المقال

الجزء التاسع من المقال

 

 


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه:

تم كشف مانع الإعلانات

رجاء تعطيل مانع الإعلانات لكي تدعم موقعنا شكرا