أول حفلة لفيروز على مسرح معرض دمشق الدولي
أنا يا سائلي تهلّ بلادي في ربا الدِّين والقَمع.. والقمامة!
ناصر شامي
في أول حفلة لفيروز على مسرح معرض دمشق الدولي، سنة 1959، قبل أن يصبح افتتاح حفلاتها بقصيدة مهداةٍ لدمشق تقليداً سنوياً، تقدّم فيروز أغنية بديعة، من كلمات وألحان الأخوين رحباني بعنوان “عن جبال في الغيمِ”، لم تنل حظها من الشهرة كما تستحق.
تقول فيها:
أنا يا سائلي، تهلُّ بلادي في ربا اللون والشذا والدوالي
يا بلادي، ذُكرتِ، فالبالُ صحوٌ، والهُنيهاتُ أزهرتْ في الظلالِ
وكأنّي بالريح تهدرُ في الأرضِ، بفيضِ العَطا ولَفحِ الجَمالِ
عن بلادي، عن بلادي
…
اعتاد جَدّي، وهو فلّاح فقيرٌ من غوطة دمشق، أن يقول لي أنه في صِغره، عندما يذهب مع أهله وأصدقائه إلى دمشق، كانوا جميعهم يحرصون على ارتداء ثيابهم الجديدة. فدمشق مدينة جميلة ونظيفة، وزيارتها حدث جديرٌ بالاحتفاء وارتداء أفضل الثياب.
بما يخصّني، ليس لديّ حنينٌ مرضيٌّ لاستعادة زمنٍ قديمٍ! لكن ما وصلت إليه حال البلاد من سوء وبؤس يجعل مقارنة وضعها اليوم بأية مرحلة خرائيّة سابقة، يصبّ في صالح الأخيرة!
أنا يا سائلي، تهلُّ بلادي في ربا الـ.. حاج بقى!
…
في الصورة أدناه محاولاتٌ ثلاثٌ لأحد السكّان بهدف منع الجيران من إلقاء القمامة في الجوار.
هي صورة طريفة ومضحكة في الانطباع الأول، وطرافتها أنها تجعل أربعة أشخاص متجاورين: بشار الأسد، الله، محمد، وشخصٌ مجهولٌ استُعيض عن اسمه بمعلومة أنه شقيقٌ لفتاةٍ تمارس الجنس : )
الانطباع الثاني، أنها صورة كثيفة التعبير عن بؤس هذه البلاد!
بؤس فشل الدولة في معالجة قضية بسيطة كالقمامة وتراكمها بجوار المنازل والمدارس وعلى أرصفة الطرقات.
وبؤس قناعات السكّان وبؤس محاولاتهم لحل المشكلة.
الطريقة الأولى، التهديد بالشتيمة:
وقد أصبحت جزءاً من الفلكلور الشعبي. حتى أن محمد الماغوط، في “خارج السرب” مسرحيته الأخيرة، يٌبرز هذه اللقطة في مشهد اقتحام عنصر مخابرات لخشبة المسرح أثناء عرض “روميو وجولييت”، حيث يطلب إضافة لمسة مميزة لبيئتنا وثقافتنا وتقاليدنا على ديكور المسرحية التي تدور أحداثها في إيطاليا، كي يشعر المشاهد العربي كأنه في حارته أو مدينته. لتكون اللمسة المطلوبة عبارة عن بعض القمامة والفضلات المبعثرة مع كتابة جملة “كلب إبن كلب كل من يبول هنا”.
يا بلادي، ذُكرتِ، فالبالُ صحوٌ والـ.. من طيزي!
الطريقة الثانية، هي التهديد بالقداسة الدينية.
تكرّر أن يكتب أحدهم عبارة “البسملة” أو “الشهادتين” بجوار مكان لتجمّع القمامة بين المنازل، آملاً أن يكون تقديس المؤمنين للفظ الجلالة أو اسم الرسول رادعاً لهم من رمي القمامة بجوارها!
أما الطريقة الثالثة، فهي التهديد بقداسة الوطن وسقف مخابراته الواطئ
وهي طريقة مستجدّة كما أظن. يعمد أحد المواطنين إلى تعليق صورة الرئيس وكتابة اسمه مرفوقاً بعبارات التمجيد إياها. على أمل أن تكون محبّة الناس للمخابرات واحترامهم وتقديسهم للأجهزّة المختصة رادعاً أقوى من الرادع الديني أو الرادع الأخلاقي اللذان أثبتا فشلهما.
والنتيجة، طبعاً، ما ترون، لا ما تقرأون.