مقالات فكرية

أوراق من دفتر قديم(١) .. اليوم اَخر يومٍ من أيام الامتحان بقلم عبد المجيد زراقط

عبد المجيد زراقط 

اليوم اَخر يومٍ من أيام الامتحان.
بدأ الامتحان يوم بدأت حرب الخامس من حزيران .
أردنا ، صباح ذلك اليوم، ألَّا ندخل الى القاعات ، فخاطبنا المدير : وماذا ستفعلون ان خرجتم، الاَن، من هنا؟ قال الواقفون في الصفوف الأمامية: هل يخوض العرب حرب تحرير فلسطين، ونحن نعمل امتحان!؟ نريد أن نشارك في حرب التحرير ، وندخل فلسطين مع جيوشنا الباسلة ، و… قاطعهم ، وهو يبتسم: تشاركون في حرب التحرير !؟ كيف!؟ رأيي أن تدخلوا فلسطين ، وأنتم ناجحون ، وأنتم معلِّمون … اصبروا أياماً معدودة ، بعد أن صبرنا أعواماً طوالاً…
لاأعرف ، الاَن، ان كان ذلك المدير يسخر أم كان يقول ماهو مقتنع به.
طال الحوار ، وانتهى باقناعنا بالدخول ، واجراء الامتحان ، وبعد ذلك نحن أحرار نفعل مانشاء.
كنا نكتب الاجابات، واَذاننا مصغية الى الاصوات الاَتية من الخارج ، من مكبِّرات الأصوات التي تصدح بالأناشيد والتعليقات الحماسية ، ونشرات الأخبار التي تزفُّ بشائر النصر…
وأنا، اضافة الى ذلك، كنت مشغولاً بأمور شتى…
أستعيد ماكنَّا نفعله
، في الليل ، ونحن نراجع دروسنا، ونسمع بيانات اسقاط طائرات العدو من اذاعاتنا ، كنا نسمع البيانات والأناشيد والتعليقات، والبعوض يحوِّم فوق رؤوسنا…
كان الواحد منَّا، بين الحين والاَخر، يضع الكتاب جانباً، وينهض ويصفِّق طويلاً لما يسمع ، ويسقط، بين كفَّيه، عدداً من الحوَّامات التي كانت تئزُّ فوق رؤوسنا ، وتزعجنا ، في جوِّ ليلٍ شديد الحرارة والرطوبة، كان كلٌّ منا يُسقط مايُسقطه، ويصدر بياناً ” على راحته، ، ويقول فيه مايشاء ضاحكاً ساخراً ، والثابت أنه كان يبالغ في ذكر عدد مايحتضنه بين كفَّيه من البعوض، ولا أعرف ماذا كان في داخل كلٍّ منا احساس بأن بياناتهم مثل بياناتنا ، فما يسقطونه ليس بعوضاً، لكن أحداً منا لم ينبس بأي كلمة شك في مايُعلن ، وكنا نعبر عن أحساسنا، بالتحدث الى الهرة ، ونحن نمر بها صباحا ، وهي مستلقية قرب الباب . كنا نقول لها :
– نيالك لاامتحان عندك .
– لا سهر ، ولا بعوض…
– ولا صهاينة يجبرون شبابنا على خوض حرب …
وعندما كانت تنظر الينا بعينين زرقاوين صافيتين كنَّا نضيف:
– هاهما عيناك صافيتان ، وليستا مثل عيوننا العكرة بالهموم..
– لكن اطمئنِّي ، فالحرب لن تطول ..
– من هنا طائرون الى طبرية والخالصة والقدس…
فتلوي رأسها ، وتموء طويلاً كأنها تقول: ” حلُّوا عنِّي…، واهتموا بامتحانكم”.
وكنت أفكِّر ، منذ بدأت الحرب، في ماسوف أفعله ، ان تدخَّل الجيش اللبناني في الحرب ، فأهلي في قريتي الحدودية، وعليَّ، في هذه الحال، أن أؤمن لهم مكاناً اَمناً، لكن… الأخبار تفيد أن النصر اَتٍ سريعا ، ولا داعي للقلق.
وفي هذا اليوم، اليوم الأخير من أيام دار المعلمين والمعلمات ، في صيدا ، عليَّ أن أحسم أمر العلاقة مع نهى ، فهذا اَخر يوم يتاح لي فيه أن ألتقيها ، وأتحدَّث اليها مطوَّلاً… قلت علاقة! ، لا، هي علاقة لم تبدأ ، منذ سنتين أحاول أن أبادر ، لكنِّي أتراجع في اَخر لحظة. البارحة عندما التقيت بها في الملعب قبل دخولنا الى القاعات ، غنَّت على مهل أغنية فيروز:” بكتب اسمك ، ياحبيبي …” ، فتحمَّست ، وكدت أقدم ، لكني تراجعت ، وصعدت الدرج الموصل الى الطابق الثاني مسرعاً كأني أهرب من مطاردٍ يقول لي : لاتهرب ، احسم أمرك، وخذ قراراً… الأرجح أن لاتبدأ تلك العلاقة التي أريدها ولا أريدها في اَن ، ولكن عليَّ أن أتخذ قراراً …،
وكذلك عليَّ أن أتفق مع أمينة على كثير من الأمور ، فقد أغيب عنها مدة طويلة ، وقد لاأستطيع أن ألتقيها كما كنت أفعل من قبل.
هل عليَّ أن أختار ؟
الاختيار صعب ، ولكن لابدَّ مما ليس منه بد.ٌّ
(يتبع)

 


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه:

تم كشف مانع الإعلانات

رجاء تعطيل مانع الإعلانات لكي تدعم موقعنا شكرا